للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأسباب، وهو حاله. انتهى كلام التوربشتيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (١)، وهو بحث جيّد، إلا قوله في الأخير: "وهو حاله"، فإن حاله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأخذ بالأسباب، مع التوكّل لا مجرّد التوكلّ، فليُتنبه، والله تعالى أعلم.

(وَلَا طِيَرَةَ) -بكسر الطاء، وفتح الياء، آخر الحروف، وقد تسكن- هي التشاؤم بالشيء، وقال ابن الأثير: وهو مصدر تطيّر، يقال: تطيّر طِيَرةَ، وتَخَيَّر خِيَرَةً، ولم يجئ من المصادر هكذا غير هذين. انتهى (٢).

(وَلَا غُولَ") "الغُول" بالفتح مصدرٌ، معناه البعد، والهلاك، وبالضم الاسم، وهو من السَّعَالي، وجمعه أغوال، وغِيلان، كانوا يزعمون أن الغِيلان في الفلاة، وهو من جنس الشياطين، تتراءى للناس، وتتغَوّل؛ أي: تتلوّن، فتضلّهم عن الطريق، فتُهلكهم، فأبطل ذلك، وقيل: إنما أبطل ما زعموه من تلوّنه، لا وجوده، ومعنى لا غول: أي: لا يستطيع أحد إضلال أحد.

قال القاضي: والمراد بقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا عدوى … إلخ" أن مصاحبة المعلول، ومؤاكلته، لا توجب حصول تلك العلة، ولا تؤثّر فيها؛ لتخلّفه عن ذلك طردًا، وعكسًا، لكنها تكون من الأسباب المقدّرة التي تعلقت المشيئة بترتب العلة عليها بالنسبة إلى بعض الأبدان إحداث الله تعالي، فعلى العاقل التحرز عنها ما أمكن، بتحرّزه عن الأطعمة الضارّة، والأشياء المخوفة.

والطِّيَرة: التفاؤل بالطير، وكانوا يتفاءلون بأسمائها، وأصواتها، والهامة: الصَّدَاء، وهو طائر كبير، يضعف بصره بالنهار، ويطير بالليل، ويصوِّت فيه، ويقال له: بُوم، والناس يتشاءمون بصوته، ومن زعمات العرب أن رُوح القتيل الذي لا يُدرك ثأره تصير هامة، فتبدو، وتقول: اسقوني، فإذا أُدرك ثأره طارت.

وقوله: "لا غُول" يَحْتَمِل أن المراد به نفيه رأسًا، وأن المراد نفيه على الوجه الذي يزعمونه، فإنهم يقولون: هو ضرب من الجنّ يتشخّص لمن يمشي وحده في فلاة، أو في الليلة الليلاء، ويمشي قدامه، فيظن الماشي خلفه أنه


(١) "الكاشف عن حقائق السُّنن" ٩/ ٢٩٧٨ - ٢٩٧٩.
(٢) "عمدة القاري" ٢١/ ٢٧٣.