للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إنسان، فيتبعه، فيوقعه في الهلاك. انتهى (١).

وقال الطيبيّ رحمه الله: قوله: "لا غُول" قال في "النهاية": الْغُول: واحد الغِيلان، وهي جنس من الجنّ والشياطين، كانت العرب تزعم أن الغُول في الفلاة تترآى للناس، فيتغوّل تغوّلًا؛ أي: يتلوّن تلوّنًا في صور شتّى، ويغولهم؛ أي: يُضلّهم عن الطريق، ويُهلكهم، فنفاه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأبطله.

وقيل: قوله: "لا غُول" ليس نفيًا لِعَيْن الغُول ووجوده، وإنما فيه إبطال زعم العرب في تلوّنه بالصور المختلفة، واغتياله، فيكون المعنى بقوله: "لا غُول" إنها لا تستطيع أن تُضلّ أحدًا، ويشهد له الحديث الآخر: "لا غُول، ولكن السعالى"، والسعالى -بالسين المفتوحة، والعين المهملة- هم: سحرة الجنّ؛ أي: ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس، وتخييلٌ، ومنه الحديث: "إذا تغوّلت الغيلان، فبادروا بالأذان" (٢)؛ أي: ادفعوا شرّها بذكر الله تعالى، وهذا يدلّ على أنه لم يُرِد بنفيها عدمها، ومنه حديث: "كان ثمرة في سهوة، وكانت الغُول تجيء، فتأخذه" (٣).

وقال التوربشتيّ: قال الطحاويّ: يَحْتَمل أن الغُول قد كان، ثم دفعه الله تعالى عن عباده، أو عن بعضهم، وهذا ليس ببعيد؛ لأنه يَحْتَمل أنه من خصائص بعثة نبيّنا -صلى الله عليه وسلم-، ونظيره مَنْع الشياطين من استراق السمع بالشهاب الثاقب.

قال الطيبيّ: إنّ "لا" التي لنفي الجنس دخلت على المذكورات، ونفت ذواتها، وهي غير منفية، فيوجَّه النفي إلى أوصافها، وأحوالها التي هي مخالفة الشرع، فإن العدوى، وصفر، والهامة موجودة، والمنفيّ هو ما زعمت الجاهلية إثباتها، فإن نفي الذات لإرادة نفي الصفات أبلغ في باب الكناية، وقريب منه قوله تعالى: {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٢]، فنهاهم عن الموت،


(١) "فيض القدير" ٦/ ٤٣٤.
(٢) حديث ضعيف، راجع: "الضعيفة" للشيخ الألبانيّ رحمه الله ٣/ ٢٧٧.
(٣) رواه أحمد، وابن أبي شيبة، والطبراني، وفي سنده محمد عبد الرحمن بن أبي ليلى، متكلّم فيه.