للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الطيبيّ: الضمير المؤنث في قوله: "وخيرها" راجع إلى الطيرة، وقد عُلِم أن الطيرة كلها لا خير فيها، فهو كقوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: ٢٤] وهو مبنيّ على زعمهم، وهو من إرخاء الْعِنان في المخادعة، بأن يُجرَى الكلامُ على زعم الخصم، حتى لا يشمئزّ عن التفكر فيه، فإذا تفكّر، فأنصف من نفسه قَبِل الحقَّ، فقوله: "خيرها الفأل" إطماع للسامع في الاستماع والقبول، لا أن في الطيرة خيرًا حقيقةً، أو هو من نحو قولهم: الصيف أحرّ من الشتاء؛ أي: الفأل في بابه أبلغ من الطيرة في بابها.

والحاصل: أن أفعل التفضيل في ذلك إنما هو بين القدر المشترك بين الشيئين، والقدر المشترك بين الطيرة والفأل تأثير كل منهما فيما هو فيه، والفأل في ذلك أبلغ.

قال الخطابيّ (١): وإنما كان ذلك؛ لأن مصدر الفأل عن نُطق وبيان، فكأنه خبر جاء عن غيب، بخلاف غيره، فإنه مستند إلى حركة الطائر، أو نُطقه، وليس فيه بيان أصلًا، وإنما هو تكلفّ ممن يتعاطاه.

وقد أخرج الطبريّ عن عكرمة قال: كنت عند ابن عباس -رضي الله عنهما-، فمرّ طائر، فصاح، فقال رجل: خير خير، فقال ابن عباس: ما عند هذا لا خير، ولا شرّ، وقال أيضًا: الفرق بين الفأل والطيرة، أن الفأل من طريق حسن الظن بالله، والطيرة لا تكون إلا في السوء، فلذلك كُرِهت.

وقال النوويّ: الفال يُستعمل فيما يسوء، وفيما يسرّ، وأكثره في السرور، والطيرة لا تكون إلا في الشؤم، وقد تُستعمل مجازًا في السرور. انتهى (٢).

قال الحافظ: وكأن ذلك بحسب الواقع، وأما الشرع فخَصّ الطيرة بما يسوء، والفال بما يسرّ، ومن شَرْطه أن لا يُقْصَد إليه، فيصيرَ من الطيرة.

وقال ابن بطال (٣): جعل الله في فِطَر الناس محبة الكلمة الطيبة، والأُنس بها، كما جَعل فيهم الارتياح بالمنظر الأنيق، والماء الصافي، وإن كان لا يملكه، ولا يشربه.


(١) "الأعلام" ٣/ ٢١٣٦.
(٢) "شرح النوويّ" ١٤/ ٢١٨.
(٣) "شرح صحيح البخاريّ" لابن بطّال ٩/ ٤٣٧.