وأخرج الترمذيّ، وصححه من حديث أنس -رضي الله عنه-: "أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج لحاجته يُعجبه أن يسمع: يا نجيح، يا راشد".
وأخرج أبو داود بسند حسن، عن بريدة -رضي الله عنه-: "أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملًا يسأل عن اسمه، فإذا أعجبه فَرِحَ به، وإن كَرِه اسمه رُؤي كراهة ذلك في وجهه".
وذكر البيهقيّ في "الشعب" عن الْحَلِيميّ ما مُلَخَّصه: كان التطير في الجاهلية في العرب إزعاج الطير عند إرادة الخروج للحاجة، فذَكَر نحو ما تقدم، ثم قال: وهكذا كانوا يتطيرون بصوت الغراب، وبمرور الظباء، فسَمَّوا الكل تطيرًا؛ لأن أصله الأول، قال: وكان التشاؤم في العجم إذا رأى الصبي ذاهبًا إلى المعلم تشاءم، أو راجعًا تيمّن، وكذا إذا رأى الجمل موقَرًا حَمْلًا تشاءم، فإن رآه واضعًا حَمْله تيمّن، ونحو ذلك، فجاء الشرع برفع ذلك كله، وقال:"من تكهن، أو ردّه عن سفر تطيُّر، فليس منّا"، ونحو ذلك من الأحاديث، وذلك إذا اعتقد أن الذي يشاهده من حال الطير موجبًا ما ظنه، ولم يضف التدبير إلى الله تعالى، فأما إن علم أن الله هو المدبّر، ولكنه أشفق من الشرّ؛ لأن التجارب قضت بأن صوتًا من أصواتها معلومًا، أو حالًا من أحوالها معلومةً يَرْدَفُها مكروه، فإن وطّن نفسه على ذلك أساء، وإن سأل الله الخير، واستعاذ به من الشرّ، ومضى متوكلًا لم يضرّه ما وجد في نفسه من ذلك، وإلا فيؤاخذ به، وربما وقع به ذلك المكروه بعينه الذي اعتقده عقوبةً له، كما كان يقع كثيرًا لأهل الجاهلية، والله أعلم.
قال الحليميّ: وإنما كان -صلى الله عليه وسلم- يعجبه الفأل؛ لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقَّق، والتفاؤل حسن ظن به، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال.
وقال الطيبيّ: معنى الترخص في الفأل، والمنع من الطيرة، هو أن الشخص لو رأى شيئًا فظنه حسنًا مُحَرِّضًا على طلب حاجته، فليفعل ذلك، وإن رآه بضدّ ذلك فلا يقبله، بل يمضي لسبيله، فلو قَبِل، وانتهى عن المضيّ، فهو الطيرة التي اختَصَّت بأن تُستعمل في الشؤم، والله أعلم. انتهى (١)، والله تعالى أعلم.
(١) "الفتح" ١٣/ ١٨٦ - ١٨٨، كتاب "الطبّ" رقم (٥٧٥٥).