للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وروى أبو داود في "الطبّ" عن ابن القاسم، عن مالك، أنه سئل عنه، فقال: كم من دار سكنها ناسٌ، فهلكوا، قال المازريّ: فيحمله مالك على ظاهره، والمعنى أن قَدَرَ الله ربما اتَّفَقَ ما يكره عند سكنى الدار، فتصير في ذلك كالسبب، فتَسامح في إضافة الشيء إليه، اتِّساعًا.

وقال ابن العربيّ: لم يُرِدْ مالك إضافة الشؤم إلى الدار، وإنما هو عبارة عن جَرْيِ العادة فيها، فأشار إلى أنه ينبغي للمرء الخروج عنها صيانة لاعتقاده عن التعلق بالباطل، وقيل: معنى الحديث أن هذه الأشياء يطول تعذيب القلب بها مع كراهة أمرها؛ لملازمتها بالسكنى، والصحبية، ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها، فأشار الحديث إلى الأمر بفراقها؛ ليزول التعذيب.

قال الحافظ: وما أشار إليه ابن العربيّ في تأويل كلام مالك أَولى، وهو نظير الأمر بالفرار من المجذوم، مع صحة نفي العدوى، والمراد بذلك حسم المادة، وسدّ الذريعة؛ لئلا يوافق شيء من ذلك القَدَر، فيعتقد من وقع له أن ذلك من العدوى، أو من الطيرة، فيقع في اعتقاد ما نُهي عن اعتقاده، فأشير إلى اجتناب مثل ذلك، والطريق فيمن وقع له ذلك في الدار مثلًا أن يبادر إلى التحول منها؛ لأنه متى استمرّ فيها ربما حمله ذلك على اعتقاد صحة الطيرة، والتشاؤم.

وأما ما رواه أبو داود، وصححه الحاكم، من طريق إسحاق بن طلحة، عن أنس: "قال رجل: يا رسول الله إنا كنا في دار كثيرٍ فيها عددنا، وأموالنا، فتحوّلنا إلى أخرى، فقَلّ فيها ذلك، فقال: ذروها، ذميمة".

وأخرج من حديث فَرْوة بن مُسَيك -بالمهملة، مصغرًا- ما يدلّ على أنه هو السائل، وله شاهد من حديث عبد الله بن شداد بن الهاد، أحد كبار التابعين، وله رؤية، بإسناد صحيح إليه، عند عبد الرزاق، قال ابن العربيّ: ورواه مالك عن يحيى بن سعيد منقطعًا، قال: والدار المذكورة في حديثه كانت دار مُكْمِل -بضم الميم، وسكون الكاف، وكسر الميم، بعدها لام- وهو ابن عوف، أخو عبد الرحمن بن عوف، قال: وإنما أمرهم بالخروج منها؛ لاعتقادهم أن ذلك منها، وليس كما ظنوا، لكن الخالق جلّ وعلا جعل ذلك وفقًا لظهور قضائه، وأمرهم بالخروج منها؛ لئلا يقع لهم بعد ذلك شيء،