فيستمرّ اعتقادهم، قال ابن العربيّ: وأفاد وصفها بكونها ذميمة جواز ذلك، وأن ذِكرها بقبيح ما وقع فيها سائغ، من غير أن يعتقد أن ذلك كان منها، ولا يمتنع ذمّ محل المكروه، وإن كان ليس منه شرعًا، كما يُذَمّ العاصي على معصيته، وإن كان ذلك بقضاء الله تعالى.
وقال الخطابيّ: هو استثناء من غير الجنس، ومعناه إبطال مذهب الجاهلية في التطير، فكأنه قال: إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس يكره سَيْره، فليفارقه، قال: وقيل: إن شؤم الدار ضِيْقها، وسوء جوارها، وشؤم المرأة أن لا تلد، وشؤم الفرس أن لا يُغْزَى عليه، وقيل: المعنى ما جاء بإسناد ضعيف، رواه الدمياطيّ في الخيل:"إذا كان الفرس ضروبًا، فهو مشؤوم، وإذا حَنَّت المرأة إلى بعلها الأول، فهي مشؤومة، وإذا كانت الدار بعيدة من المسجد، لا يُسمع منها الأذان، فهي مشؤومة".
وقيل: كان قوله ذلك في أول الأمر، ثم نُسخ ذلك بقوله تعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} الآية [الحديد: ٢٢]، حكاه ابن عبد البرّ، والنَّسخ لا يثبت بالاحتمال، لا سيما مع إمكان الجمع، ولا سيما وقد ورد في نفس هذا الخبر نفي التطير، ثم إثباته في الأشياء المذكورة.
وقيل: يُحْمَل الشؤم على قلة الموافقة، وسوء الطباع، وهو كحديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- رفعه:"من سعادة المرء المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الهنيء، ومن شقاوة المرء المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء"، أخرجه أحمد، وهذا يختص ببعض أنواع الأجناس المذكورة، دون بعض، وبه صرح ابن عبد البرّ، فقال: يكون لقوم دون قوم، وذلك كله بقدر الله تعالى.
وقال المهلّب ما حاصله: إن المخاطب بقوله: "الشؤم في ثلاثة" من التزم التطير، ولم يستطع صرفه عن نفسه، فقال لهم: إنما يقع ذلك في هذه الأشياء التي تلازم في غالب الأحوال، فإذا كان كذلك، فاتركوها عنكم، ولا تعذبوا أنفسكم بها، ويدلّ على ذلك تصديره الحديث بنفي الطيرة، واستَدَلّ