للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) هم معاوية بن الحكم السَّلَميّ، ومن معه، كما تقدّم في الحديث الماضي.

(عَنِ الْكُهَّانِ)؛ أي: عن إتيانهم، وسؤالهم عن أشياء.

وقوله: ("لَيْسُوا بِشَيْءٍ") قال النوويّ - رحمه الله -: معناه بطلان قولهم، وأنه لا حقيقة له، وفيه إطلاق هذا اللفظ على ما كان باطلًا. انتهى (١).

وقال في "الفتح"؛ أي: ليس قولهم بشيء يُعتمد عليه، والعرب تقول لمن عَمِل شيئًا، ولم يُحْكِمْه: ما عَمِل شيئًا، قال القرطبيّ: كانوا في الجاهلية يترافعون إلى الكهان في الوقائع، والأحكام، ويرجعون إلى أقوالهم، وقد انقطعت الكهانة بالبعثة المحمدية، لكن بقي في الوجود من يتشبه بهم، وثبت النهي عن إتيانهم، فلا يحل إتيانهم، ولا تصديقهم. انتهى (٢).

وقال الخطابيّ: معنى قوله: "ليسوا بشيء" فيما يتعاطونه من علم الغيب؛ أي: ليس قولهم بشيء صحيح يُعتمد كما يُعتمد قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الذي يخبر عن الوحي، وهو كما يقال لمن عَمِل عملًا غير مُتْقَنٍ، أو قال قولًا غير سديد: ما عَمِلت، أو ما قلت شيئًا، وقال ابن بطال نحوه، وزاد: إنهم يريدون بذلك المبالغة في النفي، وليس ذلك كذبًا، وقال كثير من المفسرين في قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (١)} [الإنسان: ١]، والمراد بالذكر هنا: القَدْر والشرف؛ أي: كان موجودًا ولكن لم يكن له قَدْر يُذكر به، إما وهو مصوَّر من طين على قول من قال: إن المراد به آدم، أو في بطن أمه على قول من قال: إن المراد به الجنس. انتهى (٣).

وقوله: (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا الشَّيْءَ يَكُونُ حَقًّا) هذا أورده السائل إشكالًا على عموم قوله: "ليسوا بشيء"؛ لأنه فَهِم منه أنهم لا يَصْدُقون أصلًا، فأجابه - صلى الله عليه وسلم - عن سبب ذلك الصدق، وأنه إذا اتفق أن يصدُق لم يتركه خالصًا، بل يشوبه بالكذب (٤).


(١) "شرح النوويّ" ١٤/ ٢٢٣.
(٢) "الفتح" ١٣/ ١٩٤.
(٣) "الفتح" ١٠/ ٥٩٥.
(٤) "الفتح" ١٣/ ١٩٤.