ينكره يُقَرْقِرُ، فتسمعه الدجاج، فتجتمع، وتقرقر معه، وباب التشبيه واسع، لا يفتقر إلى العلاقة، غير أن الاختطاف مستعار للكلام من فعل الطير، كما قال الله تعالى:{فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ}[الحج: ٣١]، فيكون ذِكر الدجاجة هنا أنسب من ذِكر الزجاجة؛ لحصول الترشيح في الاستعارة.
قال الحافظ: ويؤيده دعوى الدارقطنيّ، وهو إمام الفنّ أن الذي بالزاي تصحيف، وإن كنا ما قبلنا ذلك، فلا أقلّ أن يكون أرجح.
وقوله: (فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ") هذا يدلّ على أن ذكر المائة للمبالغة، لا لتعيين العدد، وفي الرواية الماضية: "ويزيدون فيها مائة كذبة"، والكذبة هنا بفتح الكاف، وحُكي كسرها، وأنكره بعضهم؛ لأنه بمعنى الهيئة والحالة، وليس هذا موضعها.
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "تلك الكلمة يخطفها الجنيّ، فيقذفها في أذن وليّه"؛ أي: يرميها في أذنه، ويُسمعه إياها. وفي الرواية الأخرى: "فيقرها في أذن وليه قرّ الدجاجة"؛ أي: يضعها في أذنه. يقال: قررت الخبر في أذنه أقره قرًّا. ويصحُّ أن يقال: ألقاها في أذنه بصوت. يقال: قرَّ الطائر: صوَّت.
و"قرُّ الدجاجة" - بكسر القاف - حكاية صوتها. قال الخطابيّ: قرَّت الدجاجة، تقرُّ قرًّا، وقريرًا: إذا رجَّعت فيه؛ قيل: قرقرت قرقرةً، وقَرقريرًا، قال الشاعر [من الطويل]:
قال: والمعنى أن الجنيّ يقذف الكلمة إلى وليّه الكاهن، فيتسامع بها الشياطين، كما تُؤْذِن الدجاج بصوت صواحباتها، فتتجاوب.
قال القرطبيّ: والأشبه بمساق الحديث أن يكون معناه أن الجنِّي يُلقي إلى وليّه تلك الكلمات بصوت خفي، متراجع يُزَمْزِمُهُ، ويُرَجِّعه له، كما يلقيه الكفان للناس، فإنَّهم تسمع لهم زمزمة، وإسجاع، وترجيع، على ما عُلم من حالهم بالمشاهدة والنقل.
ولم يختلف أحدٌ من رواة مسلم أن الرواية في هذا اللفظ: "قرَّ الدجاجة"؛ يعني به: الطائر المعروف. واختلف فيه عن البخاري. فقال بعض رواته: "كقرِّ الزجاجة" بالزاي. قال الدارقطنيّ: هو مما صحَّفوا فيه.