للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الفتح" أيضًا في موضع آخر: وقد أخرج أبو داود، والنسائيّ، وصححه ابن حبان، من رواية الأعرج، عن أبي هريرة، رفعه: "من عُرض عليه طِيب فلا يردّه، فإنه طَيِّب الريح، خفيف الْمَحْمَل"، وأخرجه مسلم من هذا الوجه، لكن وقع عنده: "ريحان"، بدل: "طيب"، و"الريحان": كل بَقْلة لها رائحة طيّبة، قال المنذريّ: ويَحْتَمِل أن يراد بالريحان: جميع أنواع الطِّيب - يعني: مشتقًّا من الرائحة - قال الحافظ: مخرج الحديث واحد، والذين رووه بلفظ: "الطيب" أكثر عددًا، وأحفظ، فروايتهم أَولى، وكأن من رواه بلفظ: "ريحان"، أراد التعميم حتى لا يخصّ بالطِّيب المصنوع، لكن اللفظ غير وافٍ بالمقصود.

وللحديث شاهد عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، أخرجه الطبرانيّ، بلفظ: "من عُرض عليه الطِّيب، فليُصِبْ منه"، نعم أخرج الترمذيّ من مرسل أبي عثمان النَّهْديّ: "إذا أُعطي أحدكم الريحان، فلا يردّه، فإنه خرج من الجنة". انتهى (١).

(فَلَا يَرُدُّهُ) بضمّ الدال؛ وقال النوويّ - رحمه الله -: قوله: "فلا يردّه": برفع الدال، على الفصيح المشهور، وأكثر ما يَستعمله من لا يُحقّق العربيّة بفتحها. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: القاعدة في هذا أنه إذا اتّصل بآخر الفعل المدغَم من المجزوم، وشِبْهه هاء الغائب وجب ضمّه، كرُدُّه، ولم يَرُدُّه، أو هاء الغائبة وجب فتحه، كرُدّها، ولم يَرُدّها؛ لأن الهاء خفيّة، فلم يُعتدّ بها، فكأن الدال قد وَلِيَها الواو، والألف، هذا هو مذهب جمهور البصريين، وهو الصحيح. وحَكَى ثعلب التثليث قبل هاء الغائب، وغُلّط في جواز الفتح، وأما الكسر، فالصحيح أنه لغيّة، سَمِع الأخفش: مُدِّهِ، وغطِّهِ. وحَكَى الكوفيّون


(١) "الفتح" ١٣/ ٤٤٣ - ٤٤٤، كتاب "اللباس" رقم (٥٩٢٩).
(٢) "شرح النووي" ١٥/ ٩ - ١٠.