للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خلق الله تعالي، وبإرادته، ولا فِعل للشيطان فيها، لكنه يحضرها، ويرتضيها، ويُسَرّ بها، فلذا نُسبت إليه، أو لأنَّها مخلوقة على طبعه، من التحذير، والكراهة التي خُلِق عليها، أو لأنَّها توافقه، ويستحسنها؛ لِمَا فيها من شَغْل بال المسلم، وتضرره بها، قاله الزرقانيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (١).

وقوله: (فَلْيَنْفِثْ) تقدّم بلفظ: "فليبصق"، وفي رواية: "فليتفل"، قال في "الصحاح": التفل شبيه بالبصق، وهو أقلّ منه، أَوَّله البزاق، ثم التفل، ثم النفث، ثم النفخ، وقال الزركشيّ: جاء في رواية: "فليتفل"، وفي أخرى: "فلينفث"، وفي أخرى: "فليبصق" وبينها تفاوت، فينبغي فِعْل الكل؛ لأنه زجر للشيطان، فهو من باب رمي الجمار. انتهى (٢).

وقوله: (عَنْ يَسَارِهِ) إنما عيّن اليسار؛ لأنه موقف القرين؛ أي: الشيطان، واليمين موقف المَلَك، والله تعالى أعلم.

وقوله: (وَلْيَتَعَوَّذْ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ)، وفي رواية: "وليستعذ بالله من شرها"، قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: وَرَدَ في صفة التعوذ من شر الرؤيا أثر صحيح أخرجه سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، بأسانيد صحيحة، عن إبراهيم النخعيّ، قال: "إذا رأى أحدكم في منامه ما يَكره، فليقل إذا استيقظ: أعوذ بما عاذت به ملائكة الله، ورسله، من شرّ رؤياي هذه، أن يصيبني فيها ما أكره في ديني، ودنياي"، وقال غيره: وَرَدَ أنه يقول: "اللهم إني أعوذ بك من عمل الشيطان، وسيئات الأحلام"، رواه ابن السنيّ (٣).

وقوله: (لَا تَضُرُّهُ)؛ أي: لأنَّ الله تعالى جعل ما ذُكِر سببًا للسلامة من المكروه المترقب من الرؤيا، كما جَعَل الصدقة وقايةً للمال، وأنها تدفع البلاء إذا فَعَل ذلك مصدِّقًا متَّكلًا على الله تعالى في دفع المكروه.

وقوله: (وَلَا يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا)؛ أي: لئلا يعبّرها بتعبير غير مرضيّ؛ إما حسدًا، أو لجهله، فتقع ذلك، ويتضرّر الرائي، فقد أخرج أبو داود،


(١) "شرح الزرقانيّ" ٤/ ٤٥٢.
(٢) "فيض القدير على الجامع الصغير" للمناويّ ١/ ٣٥٠.
(٣) "شرح الزرقانيّ على الموطّأ" ٤/ ٤٥٣.