للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: "في آخر الزمان لا تكذب رؤيا المؤمن" (١).

قال: والمراد -والله أعلم- بآخر الزمان المذكور في هذا الحديث: زمان الطائفة الباقية مع عيسى ابن مريم بعد قتله الدجال، فقد ذكر مسلم في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- ما نصّه: "فيبعث الله عيسى ابن مريم، فيمكث في الناس سبع سنين، ليس بين اثنين عداوة، ثم يُرسل الله ريحًا باردةً من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرّة من خير، أو إيمان إلَّا قبضته" الحديث، قال: فكان أهل هذا الزمان أحسن هذه الأمة حالًا بعد الصَّدْر الأَوَّل، وأصدقهم أقوالًا، فكانت رؤياهم لا تكذب، ومن ثَمّ قال عقب هذا: "وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا"، وإنما كان كذلك؛ لأن من كَثُر صِدْقه تنوّر قلبه، وقَوِيَ إدراكه، فانتقشت فيه المعاني على وجه الصحة، وكذلك من كان غالب حاله الصدق في يقظته، استَصْحَب ذلك في نومه، فلا يرى إلَّا صدقًا، وهذا بخلاف الكاذب، والمخلِّط، فإنه يفسد قلبه، ويُظلِم فلا يرى إلَّا تخليطًا، وأضغاثًا، وقد يندر أحيانًا، فيرى الصادق ما لا يصحّ، ويرى الكاذب ما يصحّ ولكن الأغلب الأكثر ما تقدم، والله أعلم. انتهى (٢).

قال الحافظ: وهذا يؤيده ما ثبت أن الرؤيا لا تكون إلَّا من أجزاء النبوة، إن صدرت من مسلم صادق صالح، ومن ثَمّ قُيِّد بذلك في حديث: "رؤيا المسلم جزء"، فإنه جاء مطلقًا مقتصرًا على المسلم، فأخرج الكافر، وجاء مقيَّدًا بالصالح تارةً، وبالصالحة، وبالحسنة، وبالصادقة، كما تقدم بيانه، فيُحمَل المطلق على المقيَّد، وهو الذي يناسب حالُه حالَ النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فيُكْرَم بما أُكْرِم به النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وهو الاطلاع على شيء من الغيب، فأما الكافر، والمنافق، والكاذب، والمخلِّط، وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات، فإنها لا تكون من الوحي، ولا من النبوة؛ إذ ليس كلّ من صدق في شيءٍ ما يكون خبره ذلك نبوةً، فقد يقول الكاهن كلمة حقّ، وقد يُحَدِّث المنجِّم، فيصيب، لكن كلُّ ذلك على الندور والقلة، والله أعلم.


(١) حديث صحيحٌ، رواه أحمد في "مسنده" (٢/ ٢٦٩)، والترمذيّ في "جامعه" (٢٢٩١).
(٢) "المفهم" ٦/ ١١ - ١٢.