المحمود، فقال:"قَيَّدَ الإيمانُ الْفَتْكَ"(١)، وأما الغُلّ فقد كُرِه شرعًا في المفهوم؛ كقوله: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠)} [الحاقة: ٣٠]، {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}[غافر: ٧١]، {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ}[الإسراء: ٢٩]، {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ}[المائدة: ٦٤]، وإنما جُعل القيد ثباتًا في الدين؛ لأنَّ المقيَّد لا يستطيع المشي، فضُرب مثلًا للإيمان الذي يمنع عن المشي إلى الباطل.
وقال النوويّ: قال العلماء: إنما أحبّ القيد؛ لأنَّ محله الرِّجل، وهو كفّ عن المعاصي، والشرّ، والباطل، وأبغضَ الغُلَّ؛ لأنَّ محله العنق، وهو صفة أهل النار، وأما أهل التعبير فقالوا: إن القيد ثبات في الأمر الذي يراه الرائي، بحسب من يُرَى ذلك له، وقالوا: إن انضم الغلّ إلى القيد دلّ على زيادة المكروه، وإذا جُعل الغلّ في اليدين حُمِد؛ لأنه كفّ لهما عن الشرّ، وقد يدلّ على البخل بحسب الحال، وقالوا أيضًا: إن رأى أن يديه مغلولتان فهو بخيل، وإن رأى أنه قُيِّد وغُلّ، فإنه يقع في سجن، أو شدّة.
قال الحافظ: وقد يكون الغلّ في بعض المرائي محمودًا كما وقع لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، فأخرج أبو بكر بن أبي شيبة، بسند صحيح، عن مسروق قال:"مَرَّ صهيب بأبي بكر، فأعرض عنه، فسأله، فقال: رأيت يدك مغلولة على باب أبي الحشر، رجل من الأنصار، فقال أبو بكر: جُمِع لي ديني إلى يوم الحشر".
وقال الكرمانيّ: اختُلِف في قوله: "وكان يقال" هل هو مرفوعٌ، أو لا؟ فقال بعضهم: من قوله: "وكان يقال"، إلى قوله:"في الدين" مرفوعٌ كلّه، وقال بعضهم: هو كله كلام ابن سيرين، وفاعل "كان يَكره" أبو هريرة.
قال الحافظ: أخذه من كلام الطيبيّ، فإنه قال: يَحْتَمِل أن يكون مقولًا للراوي عن ابن سيرين، فيكون اسم "كان" ضميرًا لابن سيرين، وأن يكون
(١) قوله: "قَيَّدَ الإيمانُ الْفَتْكَ"؛ أي: الإيمان يمنع عن الفتك، كما يمنع القيد عن التصرف، فكأنه جعل الفتك مقيدًا، قال في "النهاية": الفتك أن يأتي الرجل صاحبه، وهو غارّ، غافلٌ، فيشدّ عليه، فيقتله، والغِيلة أن يخدعه، ثم يقتله في موضع خفيّ. انتهى.