للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن يصير مرئيًّا بصورتي، وفي رواية غير أبي ذرّ: "يتزايّا" بزاي، وبعد الألف تحتانية، وفي حديث أبي سعيد: "فإن الشيطان لا يتكونني".

أما قوله: "لا يتمثل بي" فمعناه: لا يتشبه بي، وأما قوله: "في صورتي"، فمعناه: لا يصير كائنًا في مثل صورتي، وأما قوله: "لا يتراءى بي"، فرَجّح بعض الشراح رواية الزاي عليها؛ أي: لا يظهر في زِيِّي، وليست الرواية الأخرى ببعيدة من هذا المعنى، وأما قوله: "لا يتكونني"؛ أي: لا يتكون كَوْني، فحُذف المضاف، وَوُصِل المضاف إليه بالفعل، والمعنى: لا يتكوّن في صورتي.

فالجميع راجع إلى معنى واحد، وقوله: "لا يستطيع" يشير إلى أن الله تعالى وإن أمكنه من التصور في أي صورة أراد، فإنه لم يمكنه من التصور في صورة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقد ذهب إلى هذا جماعة، فقالوا في الحديث: إن محل ذلك إذا رآه الرائي على صورته التي كان عليها، ومنهم من ضيّق الغرض في ذلك، حتى قال: لا بد أن يراه على صورته التي قُبض عليها، حتى يعتبر عدد الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة، والصواب التعميم في جميع حالاته، بشرط أن تكون صورته الحقيقية في وقت ما، سواء كان في شبابه، أو رجوليته، أو كهوليته، أو آخر عمره، وقد يكون لِمَا خالف ذلك تعبير يتعلق بالرائي. انتهى (١).

وقال الطيبيّ -رحمه الله-: قوله: "فقد رآني" اتّحاد الشرط والجزاء يدلّ على التناهي في المبالغة؛ أي: من رآني فقد رأى حقيقتي على كمالها، لا شبهة، ولا ارتياب فيما رأى، ويدلّ عليه قوله: "فقد رآني الحقَّ"، والحقّ هنا مصدر مؤكّد؛ أي: من رآني فقد رآني رؤية الحقّ (٢).

وقال الطيبيّ أيضًا: إن أثبت الروايات هي: "فقد رأى الحقّ"، فلا بدّ من تقدير ما يستقيم أن يقع الجزاء مسبّبًا من الشرط، ويترتّب على المعلّل العلّة، فالمعنى: من رآني في المنام بأي صفة كانت، فليستبشر، وليعلم أنه قد رأى


(١) "الفتح" ١٦/ ٣٣٢ - ٣٣٣، كتاب "التعبير" رقم (٦٩٩٣).
(٢) "الكاشف عن حقائق السُّنن" ٩/ ٢٩٩ - ٣٠٠.