ومن ذلك ما حُكي أن بعضهم رأى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منامًا، فأمره أن يذهب إلى المكان الفلانيّ، فإن فيه كنزًا، فخذه، وليس عليك خُمس، أو كما قال، فذهب الرجل إلى ذلك المكان، فوجد الكنز كما قال، ثم أشكل عليه حكم خُمسه، فذهب إلى عالم، فاستفتاه في ذلك، فقال له: رؤياك حقّ، وقوله:"ليس عليك خمس" غلط، فإن هذا مما ثبت في سُنَّته الصحيحة، "وفي الركاز الخُمس"، فلا يمكن أن يأمر بخلافه بعد موته.
والحاصل: أن هذا المقام مقام تزلّ فيه الأقدام، فإن كثيرًا ممن ينتسب إلى العبادة والخلوة يكثر زعمهم رؤيته -صلى الله عليه وسلم- في المنام، بل ربما ادّعى ذلك بعضهم في اليقظة، ثم يقول: إنه أمره بكذا وكذا من أنواع العبادات التي لم يشرعها -صلى الله عليه وسلم- في حياته، أو من أنواع الخرافات، فيُظهر ذلك للناس، فيتّبعه على ذلك عوامّ الناس، بل وبعض من ينتسب إلى العلم، فإلى الله المشتكى، ما أعظم المصيبة، وما أقلّ العلم بالسُّنَّة، وما أكثر مسارعة الناس إلى البدع والخرافات، فإنّا لله، وإنا إليه راجعون.
٥ - (ومنها): ما قال في "الفتح": ويؤخذ من هذا الحديث أن النائم لو رأى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يأمره بشيء، هل يجب عليه امتثاله، ولا بدّ؟ أو لا بدّ أن يعرضه على الشرع الظاهر؟ فالثاني هو المعتمد. انتهى (١).
قال الجامح عفا الله عنه: العرض على الشريعة الظاهرة من أوجب الواجبات، فلا يحلّ لأحد رأى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يأمره بشيء أن يُقدم عليه، إلا بعد عرضه على الكتاب والسُّنَّة، ومعرفة موافقته لهما، فإن وافق، فهو كرامة من الله سبحانه وتعالى لعبده، وتقوية لإيمانه، وإلا فإنه من وسوسة الشيطان، وحديث النفس، فلا يحلّ الإقدام عليه، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فقد رآني":
قال النوويّ -رحمه الله-: اختَلَف العلماء في معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فقد رآني"، فقال
ابن الباقلانيّ: معناه أن رؤياه صحيحة، ليست بأضغاثٍ، ولا من تشبيهات