للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: وقوله: "فسيراني" معناه: فسيرى تفسير ما رأى؛ لأنه حقّ وغيب أُلقي فيه، وقيل: معناه: فسيراني في القيامة، ولا فائدة في هذا التخصيص.

وأما قوله: "فكأنما رآني" فهو تشبيه؛ ومعناه: أنه لو رآه في اليقظة لطابق ما رآه في المنام، فيكون الأول حقًّا، وحقيقةً، والثاني حقًّا وتمثيلًا، قال: وهذا كله إذا رآه على صورته المعروفة، فإن رآه على خلاف صفته، فهي أمثال، فإن رآه مقبلًا عليه مثلًا، فهو خير للرائي، وفيه، وعلى العكس فبالعكس.

وقال النوويّ (١): قال عياض (٢): يَحْتَمِل أن يكون المراد بقوله: "فقد رآني"، أو "فقد رأى الحقّ" أن من رآه على صورته في حياته كانت رؤياه حقًّا، ومن رآه على غير صورته كانت رؤيا تأويل، وتعقبه، فقال: هذا ضعيفٌ، بل الصحيح أنه يراه حقيقةً، سواءٌ كانت على صفته المعروفة، أو غيرها. انتهى.

قال الحافظ: ولم يظهر لي من كلام القاضي ما ينافي ذلك، بل ظاهر قوله: إنه يراه حقيقةً في الحالين، لكن في الأُولى تكون الرؤيا مما لا يحتاج إلى تعبير، والثانية مما يحتاج إلى التعبير.

وقال القرطبيّ (٣): اختُلف في معنى الحديث، فقال قوم: هو على ظاهره، فمن رآه في النوم رأى حقيقته؛ كمن رآه في اليقظة سواءً، قال: وهذا قول يُدرَك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين، وأن يحيا الآن، ويخرج من قبره، ويمشي في الأسواق، ويخاطب الناس، ويخاطبوه، ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده، فلا يبقى في قبره منه شيء، فيُزار مجرد القبر، ويسلَّم على غائب؛ لأنه جائز أن يُرَى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره، وهذه جهالات، لا يلتزم بها من له أدنى مُسكة من عقل.

وقالت طائفة: معناه: أن من رآه رآه على صورته التي كان عليها، ويلزم


(١) "شرح النوويّ" ١٥/ ٢٤.
(٢) "إكمال المعلم" ٧/ ٢١٩.
(٣) "المفهم" ٦/ ٢٢ - ٢٤.