للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحافظ: وهذا الذي ردّه الشيخ -أي: النوويّ- تقدَّم عن محمد بن سيرين إمام المعبِّرين اعتباره، والذي قاله القاضي توسطٌ حسنٌ.

ويمكن الجمع بينه وبين ما قاله المازريّ بأن تكون رؤياه على الحالين حقيقةً، لكن إذا كان على صورته؛ كأن يُرَى في المنام على ظاهره لا يحتاج إلى تعبير، وإذا كان على غير صورته كان النقص من جهة الرائي؛ لتخيله الصفة على غير ما هي عليه، ويحتاج ما يراه في ذلك المنام إلى التعبير، وعلى ذلك جرى علماء التعبير، فقالوا: إذا قال الجاهل: رأيت النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فإنه يُسأل عن صفته، فإن وافق الصفة المروية، وإلا فلا يُقبل منه، وأشاروا إلى ما إذا رآه على هيئة تخالف هيئته مع أن الصورة كما هي، فقال أبو سعد أحمد بن محمد بن نصر: من رأى نبيًّا على حاله، وهيئته، فذلك دليل على صلاح الرائي، وكمال جاهه، وظَفَره بمن عاداه، ومن رآه متغير الحال عابسًا مثلًا، فذاك دالّ على سوء حال الرائي.

ونحا الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة إلى ما اختاره النوويّ، فقال بعد أن حكى الخلاف: ومنهم من قال: إن الشيطان لا يتصور على صورته أصلًا، فمن رآه في صورة حسنة فذاك حُسْن في دِين الرائي، وإن كان في جارحة من جوارحه شَيْن، أو نقص، فذاك خلل في الرائي من جهة الدِّين، قال: وهذا هو الحقّ، وقد جُرِّب ذلك، فوُجد على هذا الأسلوب، وبه تحصل الفائدة الكبرى في رؤياه، حتى يتبين للرائي، هل عنده خلل، أو لا؟ لأنه -صلى الله عليه وسلم- نورانيّ، مثل المرآة الصقيلة، ما كان في الناظر إليها من حُسْن، أو غيره تَصَوَّر فيها، وهي في ذاتها على أحسن حال، لا نقص فيها، ولا شَين، وكذلك يقال في كلامه -صلى الله عليه وسلم- في النوم، أنه يُعْرَض على سُنَّته، فما وافقها فهو حقّ، وما خالفها فالخلل في سمع الرائي، فرؤيا الذات الكريمة حقّ، والخلل إنما هو في سمع الرائي، أو بصره، قال: وهذا خير ما سمعته في ذلك.

ثم حَكَى القاضي عياض (١) عن بعضهم، قال: خَصّ الله نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- بعموم صِدْق رؤياه كلها، ومَنَع الشيطان أن يتصور في صورته؛ لئلا يتذرع بالكذب


(١) "إكمال المعلم" ٧/ ٢١٩.