للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رآني" أن رؤياه صحيحةٌ، لا تكون أضغاثًا، ولا من تشبيهات الشيطان، قال: ويعضده قوله في بعض طرقه: "فقد رأى الحقّ قال: وفي قوله: "فإن الشيطان لا يتمثل بي" إشارة إلى أن رؤياه لا تكون أضغاثًا.

ثم قال المازريّ: وقال آخرون: بل الحديث محمول على ظاهره، والمراد: أن من رآه فقد أدركه، ولا مانع يمنع من ذلك، ولا عقل يحيله، حتى يُحتاج إلى صرف الكلام عن ظاهره.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا القول هو المختار عندي، فالحقّ حَمْل الحديث على ظاهره، وأن رؤيته -صلى الله عليه وسلم- رؤية حقّ، لا تمثيل، فحقيقة ذاته -صلى الله عليه وسلم- تُرى في المنام، وأما مخالفة بعض صفاته التي رآها الرائي؛ فإنه يعود إلى صفة الرائي، لا المرئيّ، فقد يكون غلطًا، وقد يكون التباسًا، ولذا قال أصحاب هذا القول:

وأما كونه قد يُرى على غير صفته، أو يُرى في مكانين مختلفين معًا، فإن ذلك غلطٌ في صفته، وتخيُّل لها على غير ما هي عليه، وقد يظنّ بعض الخيالات مرئيات؛ لكون ما يتخيل مرتبطًا بما يرى في العادة، فتكون ذاته -صلى الله عليه وسلم- مرئيةً، وصفاته متخيلةً، غير مرئية، والإدراك لا يُشترط فيه تحديق البصر، ولا قُرب المسافة، ولا كون المرئي ظاهرًا على الأرض، أو مدفونًا، وإنما يُشترط كونه موجودًا، ولم يقم دليل على فناء جسمه -صلى الله عليه وسلم-، بل جاء في الخبر الصحيح ما يدل على بقائه، وتكون ثمره اختلاف الصفات اختلاف الدلالات، كما قال بعض علماء التعبير: إن من رآه شيخًا فهو عامُ سِلْم، أو شابًّا فهو عام حَرْب، ويؤخذ من ذلك ما يتعلق بأقواله، كما لو رآه أحد يأمره بقتل من لا يحل قتله، فإن ذلك يُحمل على الصفة المتخيلة، لا المرئية.

وقال القاضي عياض: يَحْتَمِل أن يكون معنى الحديث: إذا رآه على الصفة التي كان عليها في حياته، لا على صفة مضادّة لحاله، فإن رُئيَ على غيرها كانت رؤيا تأويل، لا رؤيا حقيقة، فإن من الرؤيا ما يخرج على وجهه، ومنها ما يحتاج إلى تأويل.

وقال النوويّ: هذا الذي قاله القاضي ضعيف، بل الصحيح أنه يراه

حقيقةً، سواءٌ كانت على صفته المعروفة، أو غيرها، كما ذكره المازريّ، قال