للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عند فقد الحجج كلها في باب المباح، وعن بعض المبتدعة أنه حجةٌ، واحتَجَّ بقوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨)} [الشمس: ٨]، وبقوله: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: ٦٨]؛ أي: ألهمها حتى عرفت مصالحها، فيؤخذ منه مثل ذلك للآدميّ بطريق الأَولى، وذكر فيه ظواهر أخرى، ومنه الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا فراسة المؤمن" (١)، وقوله لوابصة: "ما حاك في صدرك فَدَعْه، وإن أفتوك" (٢)، فجعل شهادة قلبه حجةً مقدمةً على الفتوى، وقوله: "قد كان يكون في الأمم مُحَدَّثون" (٣)، فثبت بهذا أن الإلهام حقّ، وأنه وحي باطن، وإنما حُرِمَه العاصي؛ لاستيلاء وحي الشيطان عليه، قال: وحجة أهل السُّنَّة الآيات الدالة على اعتبار الحجة، والحث على التفكر في الآيات، والاعتبار، والنظر في الأدلة، وذم الأماني، والهواجس، والظنون، وهي كثيرةٌ، مشهورةٌ، وبأن الخاطر قد يكون من الله تعالى، وقد يكون من الشيطان، وقد يكون من النفس، وكل شيء احْتَمَل أن لا يكون حقًّا لم يوصف بأنه حقّ.

قال: والجواب عن قوله: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨)} أن معناه: عَرَّفها طريق العلم، وهو الحجج، وأما الوحي إلى النحل فنظيره في الآدميّ فيما يتعلق بالصنائع، وما فيه صلاح المعاش، وأما الفراسة فنسلّمها، لكن لا نجعل شهادة القلب حجةً؛ لأنّا لا نتحقق كونها من الله، أو من غيره. انتهى ملخصًا.

قال ابن السمعانيّ: وإنكار الإلهام مردود، ويجوز أن يفعل الله بعبده ما يُكرمه به، ولكن التمييز بين الحقّ والباطل في ذلك أن كل ما استقام على الشريعة المحمدية، ولم يكن في الكتاب والسُّنَّة ما يردّه، فهو مقبول، وإلا فمردود، يقع من حديث النفس، ووسوسة الشيطان، ثم قال: ونحن لا ننكر أن الله يُكرم عبده بزيادة نور منه، يزداد به نظره، ويَقْوَى به رأيه، وإنما ننكر أن يرجع إلى قلبه بقول لا يَعْرِف أصله، ولا نزعم أنه حجة شرعيةٌ، وإنما هو نور


(١) حديث ضعيف، أخرجه الترمذيّ، وفي سنده عطيّة العوفي، كثير الخطأ، مشهور بالتدليس، وقد عنعنه، فتنبّه.
(٢) حديث حسن، أخرجه أحمد.
(٣) حديث صحيح، أخرجه الترمذيّ.