قيل: وجه الخطأ أن الصواب في التعبير أن الرسول هو الظُّلّة، والسمن، والعسل: القرآن، والسُّنَّة، وقيل: وجه الخطأ أنه جَعَل السبب الحقّ، وعثمان لم ينقطع به الحقّ، وإنما الحقّ أن الولاية كانت بالنبوة، ثم صارت بالخلافة، فاتَّصَلت لأبي بكر، ولعمر، ثم انقطعت بعثمان لِما كان ظُنّ به، ثم صحت براءته، فأعلاه الله، ولحق بأصحابه، قال: وسألت بعض الشيوخ العارفين عن تعيين الوجه الذي أخطأ فيه أبو بكر، فقال: مَن الذي يعرفه؟ ولئن كان تقدّم أبي بكر بين يدي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- للتعبير خطأ، فالتقدم بين يدي أبي بكر لتعيين خطئه أعظم وأعظم، فالذي يقتضيه الدِّين والحزم الكفّ عن ذلك.
وقال الكرمانيّ: إنما أقدموا على تبيين ذلك، مع كون النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يبيّنه؛ لأنه كان يلزم من تبيينه مفسدة؛ إذ ذاك فزالت بعده، مع أن جميع ما ذكروه إنما هو بطريق الاحتمال، ولا جزم في شيء من ذلك. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: ليت هؤلاء العلماء لم يخوضوا في تأويل هذا الحديث بالحدس، والظنون، والتخمين، وما أجمل الجواب الذي أجاب به بعض الشيوخ الذي سأله ابن العربيّ آنفًا، فقال: مَن الذي يعرفه؟ ولئن كان تقدّم أبي بكر بين يدي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- للتعبير خطأ، فالتقدم بين يدي أبي بكر لتعيين خطئه أعظم وأعظم، فالذي يقتضيه الدين والحزم الكفّ عن ذلك. انتهى.
فما أحلى هذا الجواب، وأحقّه بأن يُكتب بماء الذهب، فيا أيها المسلم عليك أن لا تتدخّل، وتخوض فيما لا علم لك به، فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فقد سدّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- طريق معرفة الخطأ والصواب في هذا الحديث لَمّا أقسم عليه أبو بكر أن يُخبره بقوله:"لا تُقسم"، فمن الذي يحوم حوله، ويصول، ويجول بحثًا عن معرفته؟، إن هذا هو العجب العجاب.
وبالجملة فقد قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (٣٦)} [الإسراء: ٣٦]، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
(١) "الفتح" ١٦/ ٤١٣ - ٤١٦، كتاب "التعبير" رقم (٧٠٤٦).