للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والنسائيّ، والطبرانيّ، وصححه الحاكم، من طريق أبي الزناد، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قصة أُحد، وإشارة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عليهم أن لا يَبرحوا من المدينة، وإيثارهم الخروج لطلب الشهادة، ولُبْسه اللأْمَة، وندامتهم على ذلك، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينبغي لنبيّ إذا لبس لَأمته أن يضعها، حتى يقاتل -وفيه- إني رأيت أني في درع حصينة … " الحديث بنحو حديث جابر، وأتم منه.

قال: وقد ذَكر أهل التعبير للبقر في النوم وجوهًا أخرى، منها: أن البقرة الواحدة تفسَّر بالزوجة، والمرأة، والخادم، والأرض، والثورُ يفسر بالثائر؛ لكونه يُثير الأرض، فيتحرك عاليها وسافلها، فكذلك من يثور في ناحية لطلب ملك، أو غيره، ومنها: أن البقر إذا وَصَلت إلى بلد، فإن كانت بَحْرية فُسِّرت بالسفن، وإلا فبعسكر، أو بأهل بادية، أو يُبْس يقع في تلك البلد. انتهى (١).

(فَإِذَا هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الذين قُتلوا (يَوْمَ أُحُدٍ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: يَحْتَمِل أن يكون أخذ النفر من لفظ: بقر -مصحّفًا-؛ إذ لفظهما واحد، وليس بينهما إلا اختلاف النقط، فيكون هذا تنبيهًا على طريق خامس في طرق العبارة المتقدِّمة، ويَحْتَمِل أن يكون أخذ ذلك من أن الرجال المقاتِلة في الحرب يُشبَّهون بالبقر؛ لِمَا معها من أسلحتها التي هي قرونها، ولمدافعتها بها، ومناطحتها بعضها لبعضٍ بها، وقد كانت العرب تستعمل القرون في الرماح عند عدم الأسنّة، والله تعالى أعلم، وكأنّ هؤلاء المؤمنين الذين عَبّر عنهم بالبقر غير المؤمنين الذين عبَّر عنهم بصدر السيف، فكأن أولئك صدر الكتيبة، وهؤلاء مقاتلتها، والكل من خير الشهداء، وأفضل الفضلاء. انتهى (٢).

(وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ بَعْدُ) بالبناء على الضمّ؛ لقطعه عن الإضافة، ونيّة معناها؛ أي: بعدَ أُحُد.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هكذا صحَّت الرواية بضم "بعدُ" على قَطْعه عن الإضافة، ويعني به: ما أصيبوا به يوم أُحد، والعامل فيه "جاء"، و"الخير" هو


(١) "الفتح" ١٦/ ٣٩١ - ٣٩٢، كتاب "التعبير" رقم (٧٠٣٥).
(٢) "المفهم" ٦/ ٣٧ - ٣٨.