للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأنهم تركوه في رحالهم يحفظها لهم، وذكروه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأخذوا منه جائزته، وأنه قال لهم: إنه ليس بشرّكم، وأن مسيلمة لمّا ادَّعَى أنه أُشرك في النبوة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- احتج بهذه المقالة، وهذا مع شذوذه ضعيف السند؛ لانقطاعه، وأمْر مسيلمة كان عند قومه أكثر من ذلك، فقد كان يقال له: رحمان اليمامة؛ لِعِظَم قَدْره فيهم، وكيف يلتئم هذا الخبر الضعيف، مع قوله في هذا الحديث الصحيح: إن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- اجتَمَع به، وخاطبه، وصرح له بحضرة قومه أنه لو سأله القطعة الجريدة ما أعطاه؟

ويَحْتَمِل أن يكون مسيلمة قَدِم مرتين (١): الأولى كان تابعًا، وكان رئيس بني حنيفة غيره، ولهذا أقام في حفظ رحالهم، ومرةً متبوعًا، وفيها خاطبه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أو القصة واحدة، وكانت إقامته في رحالهم باختياره؛ أَنَفَةً منه، واستكبارًا أن يحضر مجلس النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وعامله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- معاملة الكَرَم على عادته في الاستئلاف، فقال لقومه: "إنه ليس بشرّكم"؛ أي: بمكان؛ لكونه كان يحفظ رحالهم، وأراد استئلافه بالإحسان بالقول والفعل، فلما لم يُفِد في مسيلمة توجَّه بنفسه إليهم؛ ليقيم عليهم الحجة، ويَعْذِر إليه بالإنذار، والعلم عند الله تعالى (٢).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: مسيلمة هذا هو: ابن ثُمامة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن عثمان بن الحارث بن ذُهل بن الذُّؤل بن حنيفة. قال ابن إسحاق: وكان من شأنه: أنه تنبأ على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنة عشر، وكان يشهد: أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، ويزعم: أنَّه شريك معه في نبوَّته. وقال سعيد بن المسيِّب: إنه كان قد تسمَّى بالرحمن قبل أن يولد عبد الله بن عبد المطلب -أبو النبيّ-صلى الله عليه وسلم- وأنَّه قُتل وهو ابن خمسين ومائة سنة. قال سعيد بن جبير: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قال: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قالت قريش: إنما يعني: مسيلمة. قال ابن إسحاق: وإنَّه تسارع إليه بنو حنيفة، وإنَّه بعث برجلين من قومه بكتاب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من


(١) سيأتي في كلام القرطبيّ ترجيح قدومه مرّة واحدة. فتنبّه.
(٢) "الفتح" ٩/ ٥٢٢، كتاب "المغازي" رقم (٤٣٧٣).