مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، سلام عليك، أما بعد: فإني أُشركت معك في الأمر، فلي نصف الأرض، ولك نصفها، ولكن قريش قومٌ لا يعدلون. فلمَّا قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب؛ قال للرَّسولين:"ما تقولان أنتما؟ " قالا: نقول ما قال صاحبنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لولا أن الرُّسل لا تُقتل، لقتلتكما"، ثم كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، سلام على من اتَّبع الهدى، أما بعد: فـ {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[الأعراف: ١٢٨] "، فلما انتهى الكتاب إليه انكسر بعض الانكسار، وقالت بنو حنيفة: لا نرى محمدًا أقرَّ بشركة صاحبنا في الأمر.
قال ابن إسحاق: تنبأ على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسيلمة، وصاحب صنعاء: الأسود بن عزة العنسيّ، وطُليحة، وسَجَاح التميمية جاءت إلى مسيلمة، فقالت له: ما أُوحي إليك؟ قال: أوحي إلي: ألم تر إلى ربِّك كيف خلق الْحُبلى، أخرج منها نسمةً تسعى بين صفاقٍ وحشًا، قالت: وماذا؟ فقال: ألم تر أن الله خلق للنساء أفراجًا، وخلق الرجال لهن أزواجًا، فيولج فيهنَّ قَعْسًا إيلاجًا، ثمَّ يخرجه إذا استمنى إخراجًا، فقالت: أشهد أنَّك نبي! قال: هل لك أن أتزوَّجك، فآكل بقومي وقومك العرب؟ فتزوَّجته، فنادى مناديها: ألا إنَّا أصبنا الدِّين في بني حنيفة. ونادى منادي بني حنيفة: ألا إن نبيَّنا تزوج نبيتكم، وقالت له: يا أبا ثمامة! ضع عن قومي هاتين الطويلتين؛ صلاة الفجر، وصلاة العشاء الآخرة، فخرج مناديه فنادى بذلك، فقال شيخ من بني تميم: جزى الله أبا ثمامة عنا خيرًا، فوالله: لقد كاد ثقلهما علينا يوتغنا (١) عن ديننا.
قال غير ابن إسحاق: ولمّا استفحل أمر مسيلمة قَدِم المدينة في بَشَر كثير، ونزل على عبد الله بن أُبيّ، فجاءه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كما ذكر ابن عباس، وفي غير حديث ابن عباس: أن مسيلمة جاء إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وفي حديث آخر: مسيلمة كان في ظَهْر القوم، وأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سأل عنه.
قال القرطبيّ: فَيَحْتَمِل أن يكون هذا اختلاف أحوال في قَدْمةٍ واحدة