للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَدِمها مسيلمة المدينة، وعند بلوغ قدومه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سأل عنه، ثمَّ بعد ذلك جاء كل واحد منهما إلى الآخر، فاجتمعا في موضع غير موضعيهما، وهذا الاحتمال أقرب من احتمال أن يكون مسيلمة قدم على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات.

ثم إن مسيلمة رجع إلى اليمامة على حالته تلك، إلى أن توفي النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فعَظُم أمر مسيلمة، وأطبق أهل اليمامة عليه، وارتدُّوا عن الإسلام، وانضاف إليهم بشرٌ كثير من أهل الردَّة، وقويت شوكتهم، فكاتبهم أبو بكر الصديق كُتبًا كثيرة يَعِظهم، ويُذَكِّرهم، ويحذّرهم، ويُنذرهم إلى أن بعث لهم كتابًا مع حبيب بن عبد الله الأنصاريّ، فقتله مسيلمة، فعند ذلك عزم أبو بكر -رضي الله عنه- على قتالهم والمسلمون، فأَمَّر أبو بكر خالد بن الوليد -رضي الله عنهما-، وتجهز الناس، وعقد الراية لخالد، وصاروا إلى اليمامة، فاجتمع لمسيلمة جيش عظيم، وخرج إلى المسلمين، فالتقوا، وكانت بينهم حروب عظيمة لم يُسمع بمثلها، واستُشهِد فيها من قرَّاء القرآن خَلْق كثير، حتى خاف أبو بكر، وعمر -رضي الله عنهما- أن يذهب من القرآن شيء لكثرة من قُتل هناك من القراء، ثم إن الله تعالى ثبَّت المسلمين، وقتل الله تعالى مسيلمة اللعين على يدي وحشيّ قاتل حمزة، ورماه بالحربة التي قتل بها حمزة، ثم دفَّف (١) عليه رجل من الأنصار، فاحتزَّ رأسه، وهزم اللهُ جيشَه، وأهلكهم، وفتح اللهُ اليمامة، فدخلها خالد، واستولى على جميع ما حوته من النساء، والولدان، والأموال، وأظهر الله الدين، وجعل العاقبة للمتقين، فالحمد لله الذي صَدَقنا وعده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، فلا شيءَ بعده، وإنما جاء النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى مسيلمة؛ ليبلّغه الدعوة، وليسمع قولَه بالمشافهة. انتهى (٢).

وقوله: (الْكَذَّابُ) صيغة مبالغة صفة لِمُسيلمة، وُصف به لمبالغته في الكذب حيث ادّعى النبوّة (عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-)؛ أي: في زمنه، (الْمَدِينَةَ) النبويّة، (فَجَعَلَ)؛ أي: شرع، وأخذ (يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ) يريد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، (الأَمْرَ)؛ أي: الخلافة (مِنْ بَعْدِهِ)؛ أي: بعد موته -صلى الله عليه وسلم-، (تَبِعْتُهُ) بفتح


(١) أي: جرحه جرحًا مميتًا، وأجهز عليه.
(٢) "المفهم" ٦/ ٣٩ - ٤٢.