للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٢ - (ومنها): بيان إثبات التمييز في بعض الجمادات، وهو موافق لقوله تعالى في الحجارة: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} الآية [البقرة: ٧٤]، وقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤]، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وفي هذه الآية خلاف مشهور، والصحيح أنه يسبح حقيقةً، ويجعل الله تعالى فيه تمييزًا بحسبه، كما ذكرنا، ومنه الحجر الذي فَرّ بثوب موسى -عَلَيْهِ السَّلامُ-، وكلام الذراع المسمومة، ومَشْيُ إحدى الشجرتين إلى الأخرى حين دعاهما النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأشباه ذلك. انتهى (١).

٣ - (ومنها): ما قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ذكر العلماء بسيرة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأحواله أنه كان من لطف الله بنبيه -صلى الله عليه وسلم- أن قدَّم له مقدِّمات، وخصَّه ببشائر، وكرامات، درَّجَهُ بذلك في أطوارٍ؛ لينقطع بذلك عن مألوفات الأغمار (٢)، ويتأهل على تدريجٍ لقبول ما يُلقى إليه، ولتسهُل مشافهة الملَك عليه، فكان -صلى الله عليه وسلم- يرى ضياءً وأنوارًا، وسمع تسليمًا، وكلامًا، ولا يرى أشخاصًا، فيسمع الحجارة والشجر تناديه، ولا يرى أحدًا يناديه؛ إلى أن استوحش من الخلق، ففرَّ إلى الحقّ، فحُبِّبت إليه الخلوة، فكان سبب هذه الْحَبْوة، مشافهة الملَك، فقَبِلَ، فَمَلَك، وقد قدَّمنا أن الصحيح من مذاهب أئمتنا أن كلام الجمادات راجع إلى أن الله تعالى يخلق فيها أصواتًا مقطعة من غير مخارج يُفْهَم منها ما يُفهم من الأصوات الخارجة من مخارج الفم، وذلك ممكن في نفسه، والقدرة لا قُصور فيها، فقد أخبر بها الصادق، فيجب له التصديق، كيف لا؟ وقد سمع من حضر تسبيح الحصى في كفه، وحنين الجذع إليه، والمسجد قد غُصَّ بأهله. انتهى (٣)، والله تعالى أعلم.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) "شرح النوويّ" ١٥/ ٣٦ - ٣٧.
(٢) جمع غُمْر، وهو من لم يجرّب الأمور.
(٣) "المفهم" ٦/ ٥١.