للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المقام الخطابيّ على ما تقرر في علم المعاني، فيفيد تفوقه على جميع ولد آدم حتى أولو العزم من الرسل، واحتياجهم إليه، كيف لا؟ وهو واسطة كل فيض، وتخصيصه ولد آدم ليس للاحتراز، فهو أفضل حتى من خواصّ الملائكة، كما نقل الإمام عليه الإجماعَ، ومراده: إجماع من يُعْتَدّ به من أهل السُّنَّة. انتهى (١).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يوم القيامة" مع أنه سيدهم في الدنيا والآخرة، فسبب التقييد أن في يوم القيامة يظهر سؤدده لكل أحد، ولا يبقى منازع، ولا معاند ونحوه، بخلاف الدنيا فقد نازعه ذلك فيها ملوك الكفار، وزعماء المشركين، وهذا التقييد قريب من معنى قوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: ١٦] مع أن المُلك له -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قبل ذلك، لكن كان في الدنيا مَن يَدَّعِي المُلك، أو من يضاف إليه مجازًا، فانقطع كل ذلك في الآخرة.

قال العلماء: وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا سيد ولد آدم" لم يقله فخرًا، بل صَرَّح بنفي الفخر في غير مسلم في الحديث المشهور: "أنا سيد ولد آدم، ولا فَخْرَ"، وإنما قاله لوجهين:

أحدهما: امتثال قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)} [الضحى: ١١].

والثاني: أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه إلى أمته؛ ليعرفوه، ويعتقدوه، ويعملوا بمقتضاه، ويوقِّروه -صلى الله عليه وسلم- بما تقتضي مرتبته، كما أمرهم الله تعالى. انتهى (٢).

(وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ)؛ أي: أول من يُعَجَّل إحياؤه مبالغةً في إكرامه، وتخصيصًا له بتعجيل جزيل إنعامه، قال القرطبيّ: ويعارض هذا قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر: "أنه أول من يُبعث، فيجد موسى متعلِّقًا بساق العرش"، وسيأتي هذا مبيَّنًا في باب: ذِكر موسى -صلى الله عليه وسلم-، إن شاء الله تعالى (٣).

(وَأَوَّلُ شَافِعٍ) للعصاة؛ أي: لا يتقدمني شافع، لا مَلَك، ولا بَشَر في جميع أحكام الشفاعات (٤). (وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ") -بفتح الفاء المشدّدة- أي: مقبول


(١) "فيض القدير" ٣/ ٤١.
(٢) "شرح النوويّ" ١٥/ ٣٧.
(٣) "المفهم" ٦/ ٤٩.
(٤) "فيض القدير" ٣/ ٤١.