مقابلة الأجادب، والنافع في مقابلة النقية، على اللفّ والنشر غير المرتَّبِ، ومن لَمْ يرفع في مقابلة القِيعان.
[فإن قلت]: لِمَ حَذَف لفظة مَنْ؟.
[قلت]: إشعارًا بأنهما في حكم شيء واحد؛ أي: في كونه ذا انتفاع في الجملة، كما جَعَل للنقية والأجادب حكمًا واحدًا، ولهذا لم يَعطف بلفظ أصاب في الأجادب. انتهى.
وقال النوويّ: معنى هذا التمثيل أن الأرض ثلاثة أنواع، فكذلك الناس، فالنوع الأول من الأرض ينتفع بالمطر، فتحيى بعد أن كانت ميتة، وتُنبت الكلأ، فينتفع به الناس، والدواب، والنوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم، فيحفظه، ويَحيى قلبه، ويعمل به، ويعلّمه غيره، فينتفع، وينفع، والنوع الثاني من الأرض ما لا تقبل الانتفاع في نفسها، لكن فيها فائدة، وهي إمساك الماء لغيرها، فينتفع به الناس، والدوابّ، وكذا النوع الثاني من الناس، لهم قلوب حافظة، لكن ليست لهم أذهان ثاقبة، ولا رسوخَ لهم في العلم، يستنبطون به المعاني والأحكام، وليس لهم اجتهاد في العمل به، فهم يحفظونه، حتى يجيء أهل العلم للنفع والانتفاع، فيأخذه منهم، فينتفع به، فهؤلاء نفعوا بما بلغهم، والثالث من الأرض هو السباخ التي لا تنبت، فهي لا تنتفع بالماء، ولا تمسكه لينتفع به غيرها، وكذلك الثالث من الناس ليست لهم قلوب حافظة، ولا أفهام واعية، فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به، ولا يحفظونه، لِنَفْع غيرهم، الأول المنتفع النافع، والثاني النافع غير المنتفع، والثالث غير النافع، وغير المنتفع، فالأول إشارة إلى العلماء، والثاني إلى النَّقَلَة، والثالث إلى من لا علم له، ولا عقل.
قال العينيّ: الصواب مع الطيبيّ؛ لأن تقسيم الأرض، وإن كان ثلاثة بحسب الظاهر، ولكنه في الحقيقة قسمان؛ لأن النوعين محمودان، والثالث مذموم، وتقسيم الناس نوعان: أحدهما ممدوح، أشار إليه بقوله:"مثل من فقه في دين الله تعالى … إلخ"، والآخر مذموم، أشار إليه بقوله:"ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا"، وما ذكره الكرمانيّ تعسّف، وهذا التقدير الذي ذكره غير سائغ في الاختيار، وباب الشعر واسع، وأيضًا يلزمه أن يكون تقسيم الناس