للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال في "الكشّاف" (١): الفرق بين عطف الإناث على الذكور، وعطف الزوجين على الزوجين أن الإناث والذكر جنسان مختلفان، إذا اشتركا في حكم لَمْ يكن بُدّ من توسطة العاطف بينهما، وأما العطف الثاني، فمن عَطْف الصفة على الصفة بحرف الجمع، وكأن معناه أن الجامعين والجامعات بهذه الطاعات أعدّ الله لهم.

فالحاصل: أنه قد ذُكِر في الحديث الطرفان: العالي في الاهتداء، والعالي في الضلال، فعبّر عمن قَبِل هدى الله والعلم بقوله: "فقه"، وعمن أبى قبولها بقوله: "لَمْ يرفع بذلك رأسًا"؛ لأن ما بعدها، وهو: نَفَعه … إلى آخره، في الأول، ولم يقبل هدى الله إلى آخره في الثاني عطفٌ تفسيريّ لـ "فقه"، ولقوله: "لم يرفع"، وذلك لأن الفقيه هو الذي عَلِم، وعَمِل، ثم عَلَّم غيره، وترك الوسط، وهو قسمان: أحدهما الذي انتفع بالعلم في نفسه، فَحَسْب، والثاني الذي لَمْ ينتفع هو بنفسه، ولكن نَفَع غيره.

وقال المظهري في "شرح المصابيح": اعلم أنه ذَكَر في تقسيم الأرض ثلاثة أقسام، وفي تقسيم الناس باعتبار قبول العلم قسمين: أحدهما مَنْ فقه، ونفع الغير، والثاني من لَمْ يرفع به رأسًا، وإنما ذكره كذلك؛ لأن القسم الأول، والثاني من أقسام الأرض كقسم واحد، من حيث إنه ينتفع به، والثاني هو ما لا ينتفع به، وكذلك الناس قسمان: من يقبل، ومن لا يقبل، وهذا يوجب جعل الناس في الحديث على قسمين: من ينتفع به، ومن لا ينتفع، وأما في الحقيقة فالناس على ثلاثة أقسام: فمنهم من يقبل من العلم بقدر ما يعمل به، ولم يبلغ درجة الإفادة، ومنهم من يقبل، ويبلّغ، ومنهم من لا يقبل.

وقال الكرمانيّ: يَحْتَمِل لفظ الحديث تثليث القسمة في الناس أيضًا، بأن يقدّر قبل لفظة "نفعه" كلمة "مَنْ" بقرينة عطفه على "من فقه"، كما في قول حسان -رضي الله عنه-[من الوافر]:

أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ … وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ

إذ تقديره: ومن يمدحه، وحينئذ يكون الفقيه بمعنى العالم بالفقه مثلًا في


(١) راجع: "الكشّاف" ٣/ ٢٣٦.