للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُورِدُها البليغ على سبيل التشبيه؛ لإرادة التقريب، والتفهيم (١)، وقال الطيبيّ: أي صفتي وصفة ما بعثني الله به من الأمر العجيب الشأن، كصفة رجل أتى قومًا وشأنه. انتهى (٢). (وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ) حذف منه الصلة، والتقدير: إليكم. (كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمَهُ) وفي رواية البخاريّ: "أتى قومًا"، والتنكير فيه للشيوع، (فَقَالَ: يَا قَوْمُ) بكسر الميم، وفتحها، ويجوز ضمها على قلّة، وأصله: يا قومي، وهكذا شأن المنادى الصحيح الآخِر إذا أضيف إلى ياء المتكلّم؛ فإن فيه ستّ لغات، ذكر الخمسة منها ابن مالك -رَحِمَهُ اللهُ- في "الخلاصة" حيث قال:

وَاجْعَلْ مُنَادًى صَحَّ إِنْ يُضَفْ لِيَا … كَعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عَبْدَا عَبْدِيَا

والسادس: ضَمُّ الاسم المنادى بعد حذف الياء، وهو قليل (٣).

(إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ) -بالجيم، والشين المعجمة- واللامُ فيه للعهد؛ أي: جيش العدوّ، (بِعَيْنَيَّ) يَحْتَمل أن يكون بالإفراد، ويَحْتَمِل أن يكون بالتثنية، بفتح النون، وتشديد الياء، قيل: ذَكَر المعينين إرشادًا إلى أنه تحقق عنده جميع ما أخبر عثه تحقُّقَ من رأى شيئًا بعينه، لا يعتريه وَهْمٌ، ولا يخالطه شك.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا ضَرْبُ مَثَل لحاله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الإنذار، ولأحوال السَّامعين لإنذاره، فإنَّه أنذرهم بما عَلِمه من عقاب الله، وبما يتخوف عليهم من فجأته، فمن صدَّقه نجا، ومن أعرض عنه هلك، وهذا بخلاف التمثيل في الحديث الماضي، فإنَّ ذلك بالنسبة إلى تحصيل العلم والانتفاع به، وإلى الإعراض عنه، فهما مَثَلان مختلفان. انتهى (٤).

(وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ) قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا مثلٌ سائل يُضرب لشدّة الأمر، ودنوّ المحذور، وبراءة المحذّر عن التهمة، وأصله أن الرجل إذا رأى العدوّ قد هَجَم على قومه، وأراد أن يُفاجئهم، وكان يخشى لُحوقهم عند لحوقه تجرّد عن ثوبه، وجعله على رأس خشبة، وصاح؛ ليأخذوا حَذَرهم، ويستعدّوا


(١) "الفتح" ١٤/ ٦٣١، كتاب "الرقاق" رقم (٦٤٨٢).
(٢) "الكاشف عن حقائق السُّنن" ٢/ ٦١٢.
(٣) راجع: "شرح ابن عقيل، مع حاشية الخضريّ" في باب النداء ٢/ ١٢٣.
(٤) "المفهم" ٦/ ٨٥.