(فَأَهْلَكَهُمْ، وَاجْتَاحَهُمْ) -بجيم، ثم حاء مهملة- أي: استأصلهم، من جُحْتُ الشيءَ أَجُوحُه: إذا استأصلته، والاسم: الجائحة، وهي الهلاك، وأُطلقت على الآفة؛ لأنها مُهلكة، قال الطيبيّ: شبّه -صلى الله عليه وسلم- نفسه بالرجل، وإنذارَهُ بالعذاب القريب بإنذار الرجل قومه بالجيش المصبِّح، وشَبّه من أطاعه من أمته، ومن عصاه بمن كذّب الرجل في إنذاره، ومَن صَدَّقه. (فَذَلِكَ مَثَلُ)؛ أي: صفة (مَنْ أَطَاعَنِي، وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِه، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي، وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ")، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي موسى الأشعريّ -رَحِمَهُ اللهُ- هذا متّفق عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٦/ ٥٩٣٩](٢٢٨٣)، و (البخاريّ) في "الرقاق" (٦٤٨٢) و"الاعتصام" (٧٢٨٣)، و (ابن حبّان) في "صحيحه" (٣)، و (البيهقيّ) في "دلائل النبوّة" (١/ ٣٦٩)، و (البغويّ) في "شرح السُّنَّة" (٩٥)، و (الرامهرمزيّ) في "الأمثال" (ص ١٩ - ٢٠)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): مشروعيّة ضرب الأمثال في التعليم؛ لإيضاح المسألة، وإيصالها إلى أذهان السامعين.
٢ - (ومنها): بيان ما قام به النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة إلى الله تعالى من الجِدِّ والاجتهاد، والعزم والحزم؛ امتثالًا لقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} الآية [المائدة: ٦٧].
٣ - (ومنها): بيان انقسام الناس في دعوته -صلى الله عليه وسلم- على قسمين: قِسْم أهل سعادة، استجابوا له، فآمنوا به، وصدّقوه، وقِسْم أهل شقاوة، أعرضوا عنه، وكذّبوه، واتبعوا الشياطين، وأهوائهم.
٤ - (ومنها): ما قاله الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا التشبيه الذي ذُكر في هذا الحديث من التشبيهات المفرّقة، شبّه -صلى الله عليه وسلم- ذاته بالرجل، وما بعثه الله من إنذار القوم بعذاب الله القريب بإنذار الرجل قومه بالجيش الْمُصَبِّح، وشبّه من أطاعه