للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الجملة، والصَّنِيعةَ: حسّنها، وكثّرها. انتهى (١)، فيكون المعنى على هذا: أنه جَمَعه في بناء واحد، ولم يفرّقه.

قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا التشبيه من التشبيه التمثيليّ، شَبّه الأنبياء، وما بُعثوا به من الهدى والعلم، وإرشادهم الناس إلى مكارم الأخلاق بقَصْر شُيِّد بنيانه، وأُحسن بناؤه، ولكن تُرك منه ما يُصلحه، وما يسدّ خلله من اللبنة، فبُعث نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- لسدّ ذلك الخلل مع مشاركته إياهم في تأسيس القواعد، ورفع البنيان، هذا على أن يكون الاستثناء منقطعًا، ويجوز أن يكون متّصلًا من حيث المعنى؛ إذ حاصل الكلام: تُعجبهم المواضع إلا موضع تلك اللبنة. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قيل: المشبَّه به واحد، والمشبَّه جماعة، فكيف صحّ التشبيه؟. وجوابه أنه جَعَل الأنبياء كرجل واحد؛ لأنه لا يتم ما أراد من التشبيه إلا باعتبار الكل، وكذلك الدار لا تتم إلا باجتماع البنيان.

ويَحْتَمِل أن يكون من التشبيه التمثيليّ، وهو أن يوجد وصف من أوصاف المشبه، ويشبّه بمثله من أحوال المشبه به، فكأنه شبّه الأنبياء، وما بُعِثوا به، من إرشاد الناس ببيت أُسست قواعده، ورُفع بنيانه، وبقي منه موضع به يتم صلاح ذلك البيت، فنبيّنا -صلى الله عليه وسلم- بُعث لتتميم مكارم الأخلاق؛ كأنه هو تلك اللبنة التي بها إصلاح ما بقي من الدار (٣).

وزعم ابن العربيّ أن اللبنة المشار إليها كانت في أسّ الدار المذكورة، وأنها لولا وضعها لانقضّت تلك الدار، قال: وبهذا يتم المراد من التشبيه المذكور. انتهى.

قال الحافظ: وهذا إن كان منقولًا، فهو حسن، وإلا فليس بلازم، نعم ظاهر السياق أن تكون اللبنة في مكان يظهر عدم الكمال في الدار بفقدها.

وقد وقع في رواية همام الآتية: "إلا موضع لبنة، من زاوية من زواياها"،


(١) "القاموس المحيط" ص ٢٣٧.
(٢) "الكاشف عن حقائق السُّنن" ١١/ ٣٦٣٤.
(٣) "عمدة القاري" ١٦/ ٩٨.