للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمراد هنا: المتقدّم على أمته، ولذا، فهو بمعنى قوله: (وَسَلَفًا) -بفتحتين- أي: متقدّمًا، قيل: هو من عَطْف المرادف، أو أعمّ، وفائدة التقدّم الأنس، والاطمئنان، وقلّة كُربة الغُربة، ونحو ذلك إذا بلغت بلدًا مَخُوفًا ليس لك بها أنيس (١). (بَيْنَ يَدَيْهَا)؛ أي: أمام أمته، قال في "الكشاف" في تفسير قوله تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية [الحجرات: ١]: حقيقةُ قولهم: جلست بين يدي فلان: أن يجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبًا منه، فسُمّيت الجهتان يدين؛ لكونهما على سَمْت اليدين، مع القرب منها، توسّعًا، كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوره، وداناه، قال ابن الكمال: وقد جرت هذه العبارة هنا على سَنَن ضرب من المجاز، وهو الذي يسميه أهل اللسان تمثيلًا. انتهى (٢).

(وَإِذَا أَرَادَ) الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- (هَلَكَةَ) بفتحات؛ أي: هلاك (أُمَّةٍ عَذَّبَهَا) بعذاب الدنيا (وَنَبِيُّهَا حَيٌّ) جملة حاليّة، (فَأَهْلَكَهَا، وَهُوَ يَنْظُرُ) جملة حاليّة أيضًا، (فَأَقَرَّ عَيْنَهُ)؛ أي: سرّه (بِهَلَكَتِهَا)، قال المناويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "فأقرّ عينه" الفاء للتفريع؛ أي: فَرّحه الله، وبَلّغه الله أمنيته.

وذلك لأن المستبشر الضاحك يخرج من عينيه ماء بارد، فيَقَرّ بهلكتها في حياته حين كذبوه في دعواه النبوة والرسالة، وعصوا أمره بعدم اتّباع ما جاء به عن الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وإنما كان موت النبيّ قبل أمته رحمةً؛ لأنه يكون مصيبةً عظيمةً لهم، ثم يتمسكون بشرعه بعده، فتضاعف أجورهم، وأما هلكة الأمة قبل نبيها فإنما يكون بدعائه عليهم، ومخالفتهم أمره، كما فُعل بقوم نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ-، فالمراد من الأمّة الأُولى أُمة الإجابة، وبالثانية أمة الدعوة، وفيه بشرى عظيمة لهذه الأمة حيث كان قَبْضه -صلى الله عليه وسلم- رحمةً لهم، كما كان بَعْثه كذلك. انتهى (٣).

وقوله: (حِينَ كَذَّبُوهُ، وَعَصَوْا أَمْرَهُ") "حين": ظرف لمقدّر؛ أي: فَعَل بهم ذلك وقت تكذيبهم إياه، وعصيانهم أمره.

قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: إنما كان موت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قبل أمته رحمة لأمته؛ لأنَّ


(١) "فيض القدير" ٢/ ٢٠٦.
(٢) "فيض القدير" ٢/ ٢٠٦.
(٣) "فيض القدير" ٢/ ٢٠٦ - ٢٠٧.