للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على بابه، بل المراد من هذا التنبيهُ على صحة ما أخبره به، والتنويه بقوة تصديقه فيما يجيء به. انتهى كلام الحافظ رحمهُ اللهُ (١).

(قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ ") - بفتح الواو، وتشديد الياء المفتوحة - هكذا الرواية، ويجوز تخفيف الياء على وجه، والصحيح المشهور تشديدها، وهو مثل قوله تعالى: {بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: ٢٢]، وهو جمع مُخْرج، فالياء الأولى ياء الجمع، والثانية ضمير المتكلم، وفتحت للتخفيف؛ لئلا يجتمع الكسرة، والياءان بعد كسرتين، قاله النوويّ.

فـ "هم" مبتدأ مؤخرٌ، و"مُخْرِجِيَّ" خبر مقدم، ولا يجوز العكس؛ لأن مخرجيّ نكرة؛ لأنه اسم فاعل، وإضافته لفظيّة، لا تفيد تعريفًا، ولا تخصيصًا، كما قال في "الخلاصة":

وَإِنْ يُشَابِهِ المُضَافُ "يَفْعَلُ" … وَصْفًا فَعَنْ تَنْكِيرِهِ لَا يُعْزَلُ

ولو رُوي "مخرجي" مخفّف الياء على أنه مفرد لجاز جعله مبتدأ، وما بعده فاعلٌ سَدَّ مسدّ الخبر؛ لأن مخرجي معتمد على الاستفهام مسند إلى ما بعده؛ لأنه وإن كان ضميرًا، إلا أنه منفصلٌ، والضمير المنفصل يجري مجرى الاسم الظاهر، ومنه قول الشاعر [من الطويل]:

أَمُنْجِزٌ أَنْتُمُ وَعْدًا وَثِقْتُ بِهِ … أَمِ اقْتَفَيْتُمْ جَمِيعًا نَهْجَ عُرْقُوبِ (٢)

وإنما استبعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يخرجوه؛ لأنه لم يكن فيه سبب يقتضي الإخراج؛ لما اشتَمَلَ عليه من مكارم الأخلاق التي تقدم من خديجة وصفها، وقد استَدَلَّ ابنُ الدَّغِنَةِ بمثل تلك الأوصاف على أن أبا بكر لا يُخْرَجُ.

قال السهيليّ رحمهُ اللهُ: يؤخذ منه شدّةُ مفارقة الوطن على النفس، فإنه - صلى الله عليه وسلم - سمع قول ورقة: إنهم يؤذونه، ويكذّبونه، فلم يَظْهَر منه انزعاج لذلك، فلمّا ذكر له الإخراج تحركت نفسه لذلك؛ لحب الوطن وإِلْفِه، فقال: "أَوَ مُخْرِجِيَّ


(١) "الفتح" ١/ ٣٥ - ٣٦.
(٢) راجع: "الكاشف" ١٢/ ٣٧٢٢، وذكر في "القاموس" أن عرقوب هذا هو ابن صخر، أو ابن معبد بن أسد من العمالقة، أكذب أهل زمانه، وذكر له قصّة، فلتراجع: في مادة عرقب ص ١٠٦.