للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

به الخبر، من معنى الاستقرار، قاله السهيليّ، وضمير "فيها" يعود على أيام الدعوة.

و"الجَذُع" - بفتح الجيم والذال المعجمة -: هو الصغير من البهائم، كأنه تَمَنَّى أن يكون عند ظهور الدعاء إلى الإسلام شابًّا، ليكون أمكن لنصره، وبهذا يتبين سِرُّ وصفه بكونه كان كبيرًا أعمى.

(يَا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ) وفي رواية البخاريّ: "إذ يُخرجك قومك"، بـ "إذ"، قال ابن مالك رحمهُ اللهُ: فيه استعمال "إذ" في المستقبل كـ"إذا"، وهو صحيح وغَفَلَ عنه أكثر النحاة (١)، وهو كقوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} الآية [مريم: ٣٩].

قال الحافظ: هكذا ذكره ابن مالك، وأقرّه غير واحد، وتعقّبه شيخنا شيخ الإسلام - يعني: البلقينيّ - بأن النحاة لم يُغْفِلُوه، بل منعوا وروده، وأوّلوا ما ظاهره ذلك، وقالوا في مثل هذا: استَعْمَلَ الصيغة الدالة على المضيّ؛ لتحقق وقوعه، فأنزلوه منزلته، ويُقَوّي ذلك هنا أن في رواية البخاريّ في "التعبير": "حين يخرجك قومك"، وعند التحقيق ما ادّعاه ابن مالك فيه ارتكاب مجاز، وما ذكره غيره فيه ارتكاب مجاز، ومجازهم أولى؛ لِمَا ينبني عليه من أن إيقاع المستقبل في صورة المضيّ؛ تحقيقًا لوقوعه، أو استحضارًا للصورة الآتية في هذه دون تلك، مع وجوده في أفصح الكلام، وكأنه أراد بمنع الورود ورودًا محمولًا على حقيقة الحال، لا على تأويل الاستقبال (٢).

وفيه دليل على جواز تمني المستحيل إذا كان في فعل خير؛ لأن ورقة تمنى أن يعود شابًّا، وهو مستحيل عادةً، ويظهر لي أن التمني ليس مقصودًا


(١) تعقّب الطيبيّ قوله: "غفل عنه أكثر النحاة"، فقال: ليس التنبيه عليه من وظيفتهم، بل من وظيفة أهل المعانيّ، إما وضعًا للآتي موضع الماضي قطعًا بوقوعه، كإخبار الله تعالى عن المستقبل، أو استحضارًا للصورة الآتية في مشاهدة السامع تعجّبًا وتعجيبًا، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "أوَ مخرجيّ هم؟ "؛ استبعادًا للإخراج، وتعجّبًا منه. راجع: "الكاشف" ١٢/ ٣٧٢١.
(٢) وللعينيّ تعقب على كلام الحافظ هذا، فانظره في: "عمدة القاري" ١/ ١٠٧.