للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقبل الدعاء: {يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [الأعراف: ١٣٤]، ومن حذفه قبل الأمر: "ألا يا اسجدوا" في قراءة الكسائيّ؛ أي: يا هؤلاء اسجدوا، وقبل الدعاء قول الشاعر [من الطويل]:

أَلَا يَا اسْلَمِي يَا دَارَ مَيَّ عَلَى البِلَى … وَلَا زَالَ مُنْهَلًّا بِجَرْعَائِكِ القَطْرُ

أي: يا دارُ اسلمي، فحسّن حذف المنادى قبلها اعتياد ثبوته، بخلاف "ليت"، فإن المنادى لم تستعمله العرب قبلها ثابتًا، فادّعاء حذفه باطلٌ، فتعيّن كون "يا" هذه لمجرّد التنبيه، مثلُ "ألا" في نحو قوله [من الطويل]:

أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً … بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ (١)

(فِيهَا) الضمير يعود إلى أيام النبوة ومدتها، أو في أيام الدعوة، وقوله: (جَذَعًا) يعني: شابًّا قويًّا حتى أبالغ في نصرتك، والأصل في الجذَع للدواب، وهو هنا استعارة.

وقوله: "جَذَعًا" هذه هي الرواية المشهورة في "الصحيحين" وغيرهما بالنصب، قال القاضي عياض: ووقع في رواية ابن ماهان: "جَذَعٌ" بالرفع، وكذلك هو في رواية الأصيلي في البخاريّ، وهذه الرواية ظاهرة، وأما النصب فاختَلَفَ العلماء في وجهه، فقال الخطابيّ، والمازريّ وغيرهما: نُصِب على أنه خبر "كان" المحذوفة، تقديره: ليتني أكونُ فيها جَذَعًا، وهذا يجيء على مذهب النحويين الكوفيين، وقال القاضي: الظاهر عندي أنه منصوبٌ على الحال، وخبر "ليت" قوله: "فيها".

قال النوويّ: وهذا الذي اختاره القاضي، هو الصحيح الذي اختاره أهلُ التحقيق والمعرفة من شيوخنا وغيرهم، ممن يعتمد عليه. انتهى.

وقال في "الفتح": قوله: "يا ليتني فيها جذعٌ" كذا في رواية الأصيليّ، وعند الباقين: "يا ليتني فيها جذعًا" بالنصب على أنه خبر "كان" المقدرة، قاله الخطابيّ، وهو مذهب الكوفيين في قوله تعالى: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} الآية [النساء: ١٧١]، وقال ابن بَرِّيّ: التقدير: يا ليتني جُعِلتُ فيه جَذَعًا، وقيل: النصب على الحال، إذا جُعِلَت "فيها" خبر "ليت"، والعامل في الحال ما يَتَعَلَّق


(١) وللعينيّ اعتراض على كلام ابن مالك هذا تركته لعدم جدواه. انظر: "عمدته" ١/ ١٠٦.