للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما ما تَمَحَّل له السهيليّ، من أن ورقة كان على اعتقاد النصارى في عدم نبوة عيسى، ودعواهم أنه أحد الأقانيم، فهو محالٌ لا يُعَرَّج عليه في حقّ ورقة وأشباهه، ممن لم يدخل في التبديل، ولم يأخذ عمن بَدَّل.

على أنه قد وَرَدَ عند الزبير بن بَكّار من طريق عبد الله بن معاذ الزهريّ في هذه القصة أن ورقة قال: ناموس عيسى، والأصح ما تقدم، وعبد الله بن معاذ ضعيف.

نعم في "دلائل النبوة" لأبي نعيم بإسناد حسن إلى هشام بن عروة، عن أبيه في هذه القصة، أن خديجة أوّلًا أتت ابن عمها ورقة، فأخبرته الخبر، فقال: لئن كنتِ صَدَقْتِني إنه ليأتيه ناموس عيسى، الذي لا يُعَلِّمه بنو إسرائيل أبناءهم، فعلى هذا فكان ورقة يقول تارةً: ناموس عيسى، وتارةً ناموس موسى، فعند إخبار خديجة له بالقصة قال لها: ناموس عيسى، بحسب ما هو فيه من النصرانية، وعند إخبار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - له قال له: ناموس موسى؛ للمناسبة التي قدمناها، وكل صحيح، والله سُبحانه وتعالى أعلم. انتهى، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا.

(يَا لَيْتَنِي) قال أبو البقاء العكبريّ: المنادى هنا محذوف، تقديره: يا محمد ليتني كنت حيًّا، نحو قوله تعالى: {يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ} الآية [النساء: ٧٣]، تقديره: يا قوم ليتني، والأصل أن "يا" إذا وليها ما لا يصلح للنداء، كالفعل في نحو: (ألا يا اسجدوا)، والحرف في نحو: "يا ليتني"، والجملة الاسميّة، في نحو قوله [من البسيط]:

يَا لَعْنَةَ الله وَالأَقْوَامِ كُلِّهِمِ … وَالصَّالِحِينَ عَلَى سَمْعَانَ مِنْ جَارِ

فقيل: هي للنداء، والمنادى محذوف، وقيل: هي لمجرّد التنبيه؛ لئلا يلزم الإجحاف بحذف الجملة كلها.

وقال ابن مالك في "الشواهد": ظنّ أكثر الناس أن "يا" التي تليها "ليت" حرف نداء، والمنادى محذوف، وهو عندي ضعيفٌ؛ لأن قائل "ليتني" قد يكون وحده، فلا يكون معه منادى، كقول مريم: {يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} [مريم: ٢٣]، وكأن الشيء إنما يجوز حذفه إذا كان الموضع الذي ادُّعي فيه حذفه مستعملًا فيه ثبوته، كحذف المنادى قبل أمر، أو دعاء، فإنه يجوز حذفه؛ لكثرة ثبوته ثمّ، فمن ثبوته قبل الأمر قوله تعالى: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: ١٢]،