للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال تعالى: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (١)} [المرسلات: ١]؛ أي: الرياح المرسلات للمعروف على أحد التفاسير، قاله في "العمدة" (١).

وقال في "الفتح": فيه استعمال أفعل التفضيل في الإسناد الحقيقيّ والمجازيّ؛ لأن الجود من النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - حقيقة، ومن الريح مجاز، فكأنه استعار للريح جُودًا باعتبار مجيئها بالخير، فأنزلها منزلة من جاد، وفي تقديم معمول أجود على المفضل عليه نكتة لطيفة، وهي أنه لوأخّره لَظُنّ تعلّقه بالمرسلة، وهذا وإن كان لا يتغير به المعنى المرادُ من الوصف من الأجودية، إلا أنه تفوت فيه المبالغة؛ لأن المراد وصفه بزيادة الأجودية على الرِّيح المرسلة مطلقًا. انتهى (٢).

[تنبيه]: قيل: الحكمة في كونه - صلى الله عليه وسلم - أجود في رمضان أن مدارسة القرآن تجدّد له العهد بمزيد غنى النفس، والغنى سبب الجود، والجود في الشرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، وهو أعم من الصدقة، وأيضًا فرمضان موسم الخيرات؛ لأن نِعم الله على عباده فيه زائدة على غيره، فكان النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يُؤْثِر متابعة سُنَّة الله في عباده، فبمجموع ما ذُكِر من الوقت، والمنزول به، والنازل، والمذاكرة، حَصَل المزيد في الجود، والعلمُ عند الله تعالى، قاله في "الفتح" (٣).

وفي رواية البخاريّ: "فَلَرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الرِّيح المرسَلة"، قال في "الفتح": قوله: "فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - … إلخ" الفاء سببية، واللام للابتداء، وزيدت على المبتدأ تأكيدًا، أو هي جواب قَسَم مقدَّر، والمرسلة؛ أي: المطلقة؛ يعني: أنه في الإسراع بالجود أسرع من الرِّيح، وعَبر بالمرسلة إشارةَّ إَلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجوده كما تعم الرِّيح المرسلة جميع ما تهبّ عليه، ووقع عند أحمد في آخر هذا الحديث: "لا يُسأل شيئًا إلا أعطاه"، وثبتت هذه الزيادة في "الصحيح" من حديث جابر - رضي الله عنه -: "ما


(١) "عمدة القاري" ١/ ٧٥.
(٢) "الفتح" ١١/ ٢٢٠، كتاب "فضائل القرآن" رقم (٤٩٩٧).
(٣) "الفتح" ١/ ٦٩، كتاب "بدء الوحي" رقم (٦).