للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأجيب بأنه طلب من أبي طلحة من يكون أسنّ من أنس، وأقوى على الخدمة في السفر، فعرَفَ أبو طلحة من أنس القوّة على ذلك، فأحضره، فلهذا قال أنس في هذه الرواية: خدمته في الحضر والسفر، وإنما تزوجت أم سليم بأبي طلحة بعد قدوم النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعدة أشهر؛ لأنها بادرت إلى الإسلام، ووالد أنس حيّ، فعَرَف بذلك، فلم يُسلم، وخرج في حاجة له، فقتله عدوّ له، وكان أبو طلحة قد تأخر إسلامه، فاتَّفَقَ أنه خطبها، فاشترطت عليه أن يُسلم، فأسلم، أخرجه ابن سعد بسند حسن، فعلى هذا تكون مدة خدمة أنس تسع سنين وأشهرًا، فألغى الكسر مرّةً، وجَبَره أخرى. انتهى ما في "الفتح" (١)، وهو بحث نفيس جدًّا، والله تعالى أعلم.

(وَاللهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا) هكذا الرواية هنا "أفًّا" بالنصب والتنوين، وهي موافقة لبعض القراءات الشاذّة، كما سيأتي، وهي كلمة ذمّ، وتحقير، واستقذار، قال النوويّ: ذَكَر القاضي عياضٌ وغيره فيها عشر لغات: "أَفّ" بفتح الفاء، وضمها، وكسرها، بلا تنوين، وبالتنوين، فهذه ستّ، و "أُفْ" بضم الهمزة، وإسكان الفاء، و "إِفَ" بكسر الهمزة، وفتح الفاء، و "أفي"، و "أفه" بضم همزتهما، قالوا: وأصل الأُفّ، والتُّفّ: وسخ الأظفار، وتستعمل هذه الكلمة في كل ما يُستقذر، وهي اسم فعل تُستعمل في الواحد، والاثنين، والجمع، والمؤنث، والمذكّر، بلفظ واحد، قال الله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣]، قال الهرويّ: يقال لكل ما يُضْجَر منه، ويستثقل: أف له، وقيل: معناه الاحتقار، مأخوذ من الأفف، وهو القليل. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قال الراغب: أصل الأُفّ: كلُّ مستقذَر من وسخ؛ كقلامة الظفر، وما يجري مجراها، ويقال ذلك لكل مُستخَفّ به، ويقال أيضًا عند تكرّه الشيء، وعند التضجر من الشيء، واستعملوا منها الفعل؛ كأفَّفْتُ بفلان، وفي "أف" عدة لغات: الحركات الثلاث، بغير تنوين، وبالتنوين، وهذا كله مع ضم الهمزة، والتشديد، وعلى ذلك اقتصر بعض الشرّاح، وذكر أبو


(١) "الفتح" ١٣/ ٥٩٠، كتاب "الأدب" رقم (٦٠٣٨).
(٢) "شرح النوويّ" ١٥/ ٧٠.