للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في بعض النسخ بلفظ: "ذهبتَ؟ " بحذف همزة الاستفهام. (حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟ ")؛ أي: إلى المكان الذي أمرتك بالذهاب إليه. (قَالَ) أنس (قُلْتُ: نَعَمْ أَنَا أَذْهَبُ) الآن (يَا رَسُولَ اللهِ) قال الطيبيّ -رحمه الله-: قول أنس -رضي الله عنه-: "نعم" في جواب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "أذهبت حيث أمرتك؟ " مع أنه لم يذهب منبئ عن عزمه على ذهابه إلى المأمور به، فإنه قد جزم بذهابه إليه، فكأنه قد ذهب، ولهذا قال: أنا ذاهب، ويُحمَلُ قوله لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والله لا أذهب"، وأمثاله على أنه كان صبيًّا غير مكلّف. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: هذا القول صدر عن أنس في حال صغره، وعدم كمال تمييزه؛ إذ لا يصدر مثله ممن كمل تمييزه، وذلك أنه حلف بالله على الامتناع من فعل ما أمره به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مشافهةً، وهو عازمٌ على فعله، فجَمَع بين مخالفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين الإخبار بامتناعه، والحلف بالله على نفي ذلك مع العزم على أنه كان يفعله، وفيه ما فيه، ومع ذلك فلم يلتفت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لشيءٍ من ذلك، ولا عرَّج عليه، ولا أَدّبه، بل داعبه، وأخذ بقفاه، وهو يضحك رفقًا به، واستلطافًا له، ثم قال: "يا أنيس! أذهبت حيث أمرتك؟ فقال له: أنا أذهب، وهذا كله مقتضى خُلُقه الكريم، وحِلْمه العظيم -صلى الله عليه وسلم-. انتهى (٢).

(قَالَ أنسٌ) -رضي الله عنه- (وَاللهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ، مَا عَلِمْتُهُ قَالَ لِشَيءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ أَوْ لِشَيءٍ تَرَكْتُهُ: هَلّا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا) "هلَّا" بتشديد اللام، ومعناها إذا دخلت على الماضي التوبيخ، أو اللوم على ترك الفعل.

والمعنى: لم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لشيء صنعته: لِمَ صنعته؟، ولا لشيء لم أصنعه، وكنت مأمورًا به: لِمَ لا صنعته؟، والله تعالى أعلم.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث أنس -رضي الله عنه- هذا بهذا السياق من أفراد المصنّف -رحمه الله-.


(١) "الكاشف عن حقائق السُّنن" ١٢/ ٣٧٠١.
(٢) "المفهم" ٦/ ١٠٣ - ١٠٤.