للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعد به النبيّ -صلى الله عليه وسلم- جابرًا كان بعد السنة التي قَدِم فيها أبو عبيدة بالمال، وظهر بذلك جهة المال المذكور، وأنه من الجزية، فأغنى ذلك عن قول ابن بطال: يَحْتَمِل أن يكون من الخمس، أو من الفيء. انتهى (١).

(لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا"، وَقَالَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا)؛ أي: أشار

النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عند قوله: "هكذا … إلخ"، ففيه إطلاق القول على الفعل، وهو جائز

شائع. (فَقُبِضَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-) ببناء الفعل للمفعول، أي: تُوُفّي (قَبْلَ أَنْ يَجيءَ مَالُ

الْبَحْرَيْنِ، فَقَدِمَ) بكسر الدال مبنيًّا للفاعل، أي: قَدِم ذلك المال (عَلَى أَبِي بَكْرِ)

الصدّيق -رضي الله عنه- في خلافته، (بَعْدَهُ)؛ أي: بعد وفاة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، (فَأَمَرَ) أبو بكر -رضي الله عنه-

(مُنَادِيًا) لم يُسمّ، وقال الحافظ: لم أقف على اسمه، ويَحْتَمِل أن يكون بلالًا.

انتهى. (فَنَادَى) ذلك المنادي قائلًا (مَنْ كَانَتْ لَهُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عِدَةٌ) بكسر العين المهملة، وتخفيف الدال بمعنى الوعد، (أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِ)؛ أي: لِيَسْتَوْفِيَ عدته، أو دينه، قال جابر: (فَقُمْتُ، فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا"، فَحَثَى أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً)؛ أي: حثية واحدة، وإنما لم يطالبه أبو بكر ببيّنة؛ لأنه لم يَدّع أن له دَينًا في ذمة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، مع أن له حقًّا في بيت المال الموكولِ الأمرُ فيه إلى اجتهاد الإمام.

ووقع في رواية للبخاريّ: "فأتيت أبا بكر، فسألت، فلم يعطني، ثم أتيته، فلم يعطني، ثم أتيته الثالثة، فقلت: سألتك فلم تعطني، ثم سألتك فلم تعطني، ثم سألتك فلم تعطني، فإما أن تعطيني، وإما أن تبخل عني، قال: قلتَ: تبخل عني؟ ما منعتك من مرة، إلا وأنا أريد أن أعطيك … فحثا لي حثيةً … " الحديث.

قال في "الفتح": وإنما أخَّر أبو بكر إعطاء جابر حتى قال له ما قال، إمّا لأمر أهمّ من ذلك، أو خشية أن يَحمله ذلك على الحرص على الطلب، أو لئلا يكثر الطالبون لمثل ذلك، ولم يُرِد به المنع على الإطلاق، ولهذا قال: "ما من مرّة إلا وأنا أريد أن أعطيك".

(ثُمَّ قَالَ لِي عُدَّهَا، فَعَدَدْتُهَا، فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ) "إذا" هي الفجائيّة؛ أي:


(١) "الفتح" ٧/ ٤١٤.