للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

١٩ - (ومنها): أنه يؤخذ من قوله: "فغطني الثالثة" أن مَن يريد التأكيد في أمر، وإيضاح البيان فيه ينبغي له أن يكرره ثلاثًا، كما كان - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك، فقد أخرج البخاريّ في "صحيحه" عن أنس - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - "أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا، حتى تُفْهَم عنه، وإذا أتى على قوم، فسَلَّم عليهم، سلَّم عليهم ثلاثًا".

قال في "الفتح": ولعل الحكمة في تكرير الإقراء الإشارة إلى انحصار الإيمان الذي ينشأ الوحي بسببه في ثلاث: القول، والعمل، والنية، وأن الوحي يشتمل على ثلاث: التوحيد، والأحكام، والقَصَص، وفي تكرير الغطّ الإشارة إلى الشدائد الثلاث التي وقدت له، وهي الحصر في الشِّعب، وخروجه في الهجرة، وما وقع له يوم أُحُد، وفي الإرسالات الثلاث إشارة إلى حصول التيسير له عقب الثلاث المذكورة، في الدنيا، والبرزخ، والآخرة. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: قد نظم الحافظ أبو الفضل زين الدين العراقيّ رحمهُ اللهُ قصة بدء الوحي في "ألفيّة السيرة"، فقال:

حَتَّى إِذَا مَا بَلَغَ الرَّسُولُ … الأَرْبَعِينَ جَاءَهُ جِبْرِيلُ

وَهْوَ بِغَارٍ بِحِرَاءٍ مُخْتَلِي … فَجَاءَهُ بِالوَحْي مِنْ عِنْدِ العَلِي

فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ وَكَانَ قَدْ خَلَتْ … مِنْ شَهْرِ مَوْلِدٍ ثَمَانٌ إِنْ ثَبَتْ

وَقِيلَ فِي سَابِعِ عِشْرِي رَجَبِ … وَقِيلَ بَلْ فِي رَمَضَانَ الطَّيِّبِ

قَالَ اقْرَأْ وَهْوَ فِي المِرَارِ … يُجِيبُ نُطْقًا مَا أَنَا بِقَارِي

فَغَطَّهُ ثَلَاثَةً حَتَّى بَلَغْ … الجُهْدَ فَاشْتَدَّ لِذَاكَ وَانْصَبَغْ

أَقْرَأَهُ جِبْرِيلُ أَوَّلَ العَلَقْ … قَرَأَهُ كَمَا لَهُ بِهَا نَطَقْ

وَكَوْنُ ذَا الأَوَّلَ فَهْوَ الأَشْهَرُ … وَقَيلَ بَلْ يَا أَيُّهَا المُدَّثّرُ

وَقِيلَ بَلْ فَاتِحَةُ الكِتَابِ … وَالأَوَّلُ الأَقْرَبُ لَلصَّوَابِ

جَاءَ إِلَى خَدِيجَةَ الأَمِينَهْ … يَشْكُو لَهَا مَا قَدْ رَآهُ حِينَهْ

فَثَبَّتَتْهُ إِنَّهَا مُوَفَّقَهْ … أَوَّلَ مَا قَدْ آمَنَتْ مُصَدِّقَهْ

ثُمَّ أَتَتْ بِهِ تَؤُمُّ وَرَقَهْ … قَصَّ عَلَيْهِ مَا رَأَى فَصَدَّقَهْ


(١) "الفتح" ٨/ ٥٨٩ "كتاب التفسير" رقم (٤٩٥٤).