للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَهْوَ الَّذِي آمَنَ بَعْدُ ثَانِيًا … وَكَانَ بَرًّا صَادِقًا مُوَافِيَا (١)

وَالصَّادِقُ المَصْدُوقُ قَالَ إِنَّهْ … رَأَى لَهُ تَخْضُخُا (٢) فِي الجَنَّهْ

أَقَامَ فِي مَكَّةَ بَعْدَ البِعْثَةِ … ثَلَاثَ عَشْرَةَ بِغَيْرِ مِرْيَةِ

وَقِيلَ عَشْرًا أَوْ فَخَمْسَ عَشْرَهْ … قَوْلَانِ وَهَّمُوهُمَا بِمَرَّهْ

فَكَانَ فِي صَلَاتِهِ يَسْتَقْبِلُ … بِمَكَّةَ القُدْسَ وَلَكِنْ يَجْعَلُ

البَيْتَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَيْضًا … فِيمَا أَتَى تَطَوُّعًا أَوْ فَرْضَا

وَبَعْدَ هِجْرَةٍ كَذَا لِلْقُدْسِ … عَامًا وَثُلْثًا أَوْ وَنِصْفَ سُدْسِ

وَحُوِّلَتْ مِنْ بَعْدِ ذَاكَ القِبْلَةُ … لِكَعْبَةِ اللهِ وَنِعْمَ الجِهَةُ

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم بأيّ عبادة تعبّد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في حراء؟:

(اعلم): أن الذي يجب القطع به أن نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - لم يكن قبل البعثة على دين قريش، وأهل الشرك، ولا يجوز اعتقاد خلاف هذا، فقد قطع بهذا أئمة الإسلام، قال الإمام أحمد رحمهُ اللهُ: من زعمه، فقول سوء، وما حُكي عن بعضهم بخلاف هذا فقد أنكروه، قال في "شرح التحرير": الذي يُقطع به أن هذا القول خطأ، وقال ابن عَقِيل: لم يكن قبل البعثة على دين سوى الإسلام، ولا كان على دين قومه قطّ، بل وُلد مؤمنًا نبيًّا صالحًا على ما كتبه الله تعالى، وعَلِمه من حاله وخاتمته لا بدايته. انتهى (٣).

ولكن اختَلفوا هل كان - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة متعبدًا بشرع أم لا؟ على مذاهب؛ فقيل: إنه - صلى الله عليه وسلم - كان متعبدًا قبل البعثة بشريعة آدم عليه السلام؛ لأنها أول الشرائع، وقيل: بشريعة نوح عليه السلام؛ لقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: ١٣]، وقيل: بشريعة إبراهيم عليه السلام؛ لقوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ} [آل عمران: ٦٨]، وقوله: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ}


(١) وفي نسخة الشرح: "مُوَاتِيًا"، وعليه شرحه الشارح.
(٢) أي تحركًا.
(٣) "شرح الكوكب المنير" ٤/ ٤٠٨ - ٤٠٩.