للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والرحمة الأخرى مما يضاف إليه تعالى رحمة مخلوقة، وإضافتها إليه من إضافة المخلوق إلى خالقه، ومن شواهدها قوله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ} [الروم: ٥٠]، وقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١٠٧)} [آل عمران: ١٠٧]، وقوله -سبحانه وتعالى- للجنّة، كما في الحديث القدسيّ: "أنتِ رحمتي أرحم بك من أشاء"، والرحمة المذكورة في الحديث -يعني: حديث البخاريّ: "جعل الله الرحمة في مائة جزء. . ."- هي الرحمة المخلوقة، وهي التي جعلها الله -عز وجل- مائة جزء، والرحمة المخلوقة في الدنيا والآخرة هي أثر الرحمة التي هي صفته -سبحانه وتعالى-، ومقتضاها. انتهى ما كتبه (١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

قال القرطبيّ: وإذا تقرر هذا، فمن خَلَق الله تعالى في قلبه هذه الرحمة الحاملة له على الرفق، وكَشْف ضر المبتلى، فقد رحمه الله -سبحانه وتعالى- بذلك في الحال، وجعل ذلك علامة على رحمته إياه في المآل، ومن سَلَب الله ذلك المعنى منه، وابتلاه بنقيض ذلك من القسوة والغلظ، ولم يلطف بضعيف، ولا أشفق على مبتلى، فقد أشقاه في الحال، وجعل ذلك عَلَمًا على شقوته في المآل، نعوذ بالله من ذلك، ولذلك قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "الراحمون يرحمهم الرحمن" (٢)، وقال: "لا يرحم الله من عباده إلا الرحماء" (٣)، وقال: "لا تُنْزَع الرحمة إلا من شقيّ" (٤)، وقال: "من لا يَرحم لا يُرحم" (٥).

(وَقَالَ) عبد الله (بْنُ نُمَيْرٍ) في روايته: ("مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ") بإفراد الخطاب للذي باشر الكلام معه -صلى الله عليه وسلم-، والمراد جميعهم، ووقع في قصّة الأقرع بن حابس التالية: "إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ"، وفي حديث جرير -رضي الله عنه- الآتي: "مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللهُ -عز وجل-"، والله تعالى أعلم.


(١) المحقّق المذكور: الشيخ البرّاك، راجع ما كتبه في هامش: "فتح الباري"، في كتاب "التوحيد" ١٣/ ٥٤٤ - ٥٤٥ رقم الحديث (٦٠٠٠).
(٢) حديث صحيح، رواه أبو داود (٤٩٤١)، والترمذيّ (١٩٢٥).
(٣) متّفقٌ عليه.
(٤) حديث حسن، رواه أبو داود، والترمذيّ.
(٥) متّفقٌ عليه.