(مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ") بالرفع فيهما على الخبر، وقال عياض: هو للأكثر، وقال أبو البقاء: "مَنْ" موصولة، ويجوز أن تكون شرطية، فيُقرأ بالجزم فيهما، قال السهيليّ: جَعْله على الخبر أشبه بسياق الكلام؛ لأنه سيق للردّ على من قال: "وإن لي عشرة من الولد. . . إلخ"؛ أي: الذي يفعل هذا الفعل لا يُرْحَمُ، ولو كانت شرطية لكان في الكلام بعض انقطاع؛ لأن الشرط وجوابه كلام مستأنَف.
قال الحافظ: وهو أَولى من جهة أخرى؛ لأنه يصير من نوعِ ضَرْب المثل، ورجَّح بعضهم كونها موصولة؛ لكون الشرط إذا أعقبه نفي يُنفَى غالبًا بـ "لم"، وهذا لا يقتضي ترجيحًا إذا كان المقام لائقًا بكونها شرطية، وأجاز بعض شراح "المشارق" الرفع في الجزءين، والجزم فيهما، والرفع في الأوَّل، والجزم في الثاني، وبالعكس، فيحصل أربعة أوجه، واستَبْعَد الثالثَ، ووَجَّه بأنه يكون في الثاني بمعنى النهي؛ أي: لا ترحموا من لا يرحم الناس، وأما الرابع فظاهر، وتقديره: من لا يكن من أهل الرحمة، فإنه لا يُرْحَم، ومثله قول الشاعر [من الطويل]:
وفي جواب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- للأقرع إشارةٌ إلى أن تقبيل الولد وغيره، من الأهل المحارم، وغيرهم من الأجانب، إنما يكون للشفقة والرحمة، لا للذّة والشهوة، وكذا الضمّ، والشمّ، والمعانقة، قاله في "الفتح" (١).
(١) "الفتح" ١٣/ ٥٣٩ - ٥٤٠، كتاب "الأدب" رقم (٥٩٩٧).