للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ووقع في حديث جرير الآتي: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله"، وهو عند الطبراني بلفظ: "من لا يرحم مَن في الأرض لا يرحمه من في السماء"، وله من حديث ابن مسعود، رفعه: "ارْحَمْ مَن في الأرض يَرْحَمْك من في السماء"، ورواته ثقات، وهو في حديث عبد الله بن عمر، وعند أبي داود، والترمذيّ، والحاكم، بلفظ: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، وهذا الحديث قد اشتَهَر بالمسلسل بالأولية، وفي حديث الأشعث بن قيس عند الطبرانيّ في "الأوسط": "من لم يرحم المسلمين لم يرحمه الله".

قال ابن بطال -رحمه الله-: فيه الحضّ على استعمال الرحمة لجميع الخلق، فيدخل المؤمن، والكافر، والبهائم المملوك منها، وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام، والسقي، والتخفيف في الحمل، وترك التعدي بالضرب.

وقال ابن أبي جمرة -رحمه الله-: يَحْتَمِل أن يكون المعنى: من لا يرحم غيره بأيّ نوع من الإحسان لا يحصل له الثواب، كما قال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (٦٠)} [الرحمن: ٦٠].

ويَحْتَمِل أن يكون المراد: من لا يكون فيه رحمة الإيمان في الدنيا، لا يُرْحَم في الآخرة، أو من لا يرحم نفسه بامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، لا يرحمه الله؛ لأنه ليس له عنده عهد، فتكون الرحمة الأُولى بمعنى الأعمال، والثانية بمعنى الجزاء؛ أي: لا يثاب إلا مَن عَمِل صالِحًا.

ويَحْتَمِل أن تكون الأُولى الصدقة، والثانية البلاء؛ أي: لا يَسْلَم من البلاء إلا من تصدَّق، أو من لا يرحم الرحمة التي ليس فيها شائبة أذى لا يُرْحَم مطلقًا، أو لا ينظر الله بعين الرحمة إلا لمن جعل في قلبه الرحمة، ولو كان عمله صالِحًا. انتهى ملخصًا.

قال: وينبغي للمرء أن يتفقد نفسه في هذه الأوجه كلها، فما قَصّر فيه لجأ إلى الله تعالى في الإعانة عليه. انتهى (١)، والله تعالى أعلم.


(١) "الفتح" ١٣/ ٥٥٧ - ٥٥٨، كتاب "الأدب" رقم (٦٠١٣).