للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كالمعدوم، ثم هذا الجبلِّيّ سبب في تحصيل المكتسب، وقد كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قد جُبل من الحياء على الحظ الأوفر، والنصيب الأكثر، ولذلك قيل فيه: إنه كان أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، ثم إنه كان يأخذ نفسه بالحياء ويستعمله، ويأمر به، ويحضُّ عليه، فيقول: "الحياء من الإيمان"، و"الحياء لا يأتي إلا بخير"، و"الحياء خير كله"، ويقول لأصحابه: "استحيوا من الله حقّ الحياء"، وكان يُعرف الحياء في وجهه لِمَا يظهر عليه من الخَفَر والخجل، وكان إذا أراد أن يَعتِب رجلًا معيَّنًا أعرض عنه، ويقول: "ما بال رجال يفعلون كذا"، ومع هذا كله فكان لا يمنعه الحياء في حقٍّ يقوله، أو أمر دينيّ يفعله، تمسُّكًا بقول الحق: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} الآية [الأحزاب: ٥٣]، وهذا هو نهاية الحياء، وكماله، وحُسنه، واعتداله، فإنَّ من يُفْرط عليه الحياء حتى يمنعه من الحقّ فقد ترك الحياء من الخالق، واستحيا من الخلق، ومن كان هكذا فقد حُرِم نافع الحياء، واتصف بالنفاق، والرياء، والحياء من الله هو الأصل والأساس، فإنَّ الله تعالى أحقّ أن يُستحيا منه من الناس. انتهى (١).

(مِنَ الْعَذْرَاءِ) -بفتح العين المهملة، وسكون الذال المعجمة، ثم راء، ومَدّ-؛ أي: البكر، سُمّيت به؛ لأن عُذرتها باقية، وهي جِلدة البكارة. (فِي خِدْرِهَا) -بكسر الخاء المعجمة، وسكون الدال المهملة- الموضع الذي تُحْبَس فيه، وتُسْتَتر، وقال النوويّ: سِتْرٌ يُجعل للبكر في جنب البيت. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: "العذراء": البكر التي لم تُنْتَزَع عُذْرتها، و"الْخِدْر": أصله الْهَوْدج، وهو هنا كناية عن بيتها الذي هي ملازمة له إلى أن تخرُج منه إلى بيت زوجها. انتهى (٣).

وقال في "الفتح": قوله: "في خِدرها" بكسر المعجمة؛ أي: في سِتْرها، وهو من باب التتميم؛ لأن العذراء في الخلوة يشتدّ حياؤها أكثر مما تكون خارجة عنه؛ لكون الخلوة مظنّة وقوع الفعل بها، فالظاهر أن المراد تقييده بما إذا دُخِل عليها في خدرها، لا حيث تكون منفردة فيه، ومحل وجود الحياء


(١) "المفهم" ٦/ ١١٤ - ١١٥.
(٢) "شرح النوويّ" ١٥/ ٧٨.
(٣) "المفهم" ٦/ ١١٥ - ١١٦.