للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَإِنْ كَانَ) ذلك الأمر المخيّر فيه (إِثْمًا)؛ أي: مقتضيًا للإثم، (كَانَ) -صلى الله عليه وسلم- (أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ)؛ أي: من ذلك المخيّر به.

(وَمَا انْتَقَمَ)؛ أي: ما عاقب أحدًا على مكروه أتاه من قِبَله (١). (رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِنَفْسِهِ)؛ أي: خاصّة، فلا يَرِد أمره بقتل عقبة بن أبي مُعيط، وعبد الله بن خَطَل، وغيرهما، ممن كان يؤذيه؛ لأنهم كانوا مع ذلك ينتهكون حرمات الله، وقيل: أرادت أنه لا ينتقم إذا أوذي في غير السبب الذي يُخرج إلى الكفر، كما عفا عن الأعرابي الذي جفا في رفع صوته عليه، وعن الآخر الذي جَبَذَ بردائه حتى أثَّر في كتفه، (إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ) بالبناء للمفعول، يقال: انْتَهَك الرجلُ الْحُرْمةَ: تناولها بما لا يحِلّ (٢). (حُرْمَةُ اللهِ -عز وجل-) "الْحُرمة" بالضمّ: ما لا يحلّ انتهاكه، والمعنى: إلا أن تُرْتَكَب الأشياء التي حرّمها الله -عز وجل-.

وقال في "العمدة": قوله: "إلا أن تُنتهك" هذا الاستثناء منقطع؛ أي: لكن إذا انتُهِكَت حرمة الله انتَصَر لله تعالى، وانتَقَم ممن ارتَكَب ذلك. انتهى (٣).

وحَمَل الداوديّ عدم الانتقام على ما يختص بالمال، قال: وأما الْعِرْض فقد اقتصّ ممن نال منه، قال: واقتص ممن لَدّه في مرضه بعد نهيه عن ذلك، بأن أَمَر بلدِّهم، مع أنهم كانوا في ذلك تأولوا أنه إنما نهاهم عن عادة البشرية، من كراهة النفس للدواء، كذا قال.

وقد أخرج الحاكم هذا الحديث من طريق معمر، عن الزهريّ، بهذا الإسناد مطوّلًا، وأوله: "ما لَعَنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مسلمًا بذكر -أي: بصريح- اسمه، ولا ضرب بيده شيئًا قطّ، إلا أن يَضْرِب بها في سبيل الله، ولا سُئل في شيء قط، فمنعه، إلا أن يُسأل مأثَمًا، ولا انتقم لنفسه من شيء، إلا أن تُنتهك حرمات الله، فيكون لله ينتقم. . ." الحديث.

وأخرجه الطبرانيّ في "الأوسط" من حديث أنس -رضي الله عنه-، وفيه: "وما انتَقَم


(١) "النهاية في غريب الأثر" ٥/ ١٠٩.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٦٢٨.
(٣) "عمدة القاري" ١٦/ ١١٢.