للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٦ - (ومنها): أن فيه ترك الحكم للنفس، وإن كان الحاكم متمكنًا من ذلك، بحيث يؤمَن منه الحيف على المحكوم عليه، لكن لحسم المادة، والله أعلم.

٧ - (ومنها): ما قال ابن عبد البرّ -رَحمه اللهُ-: هذا الحديث يدلّ، ويندُب الأمراء، وسائر الحكام، والعلماء، إلى أنه ينبغي لكل واحد منهم أن يتجافى عن الانتقام لنفسه، تأسّيًا بنبيه -صلى الله عليه وسلم-، ولا ينسى الفضل، والأخذ به في العفو عمن ظلمه.

قال: وقد أجمع العلماء على أن القاضي لا يقضي لنفسه، وأجمع الجمهور من الفقهاء على أن القاضي لا يقضي لمن لا تجوز له شهادته من بنيه وآبائه، قاله في "الاستذكار".

وقال في "التمهيد": وفي هذا الحديث دليلٌ على أن على العالِم أن يتجافى عن الانتقام لنفسه، ويعفو، ويأخذ بالفضل إن أحب أن يتأسى بنبيّه -صلى الله عليه وسلم-، وإن لم يُطِق كلًّا فبعضًا، وكذلك السلطان. قال الله -عزَّ وجلَّ- لنبيّه -صلى الله عليه وسلم-: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم: ٤]، قال المفسرون: كان خُلُقه ما قال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)} [الأعراف: ١٩٩]. قال: وعلى العالم أن يغضب عند المنكر، ويغيّره إذا لم يكن لنفسه، وفي معنى هذا الحديث أن لا يقضي الإنسان لنفسه، ولا يحكم لها، ولا لمن في ولايته، وهذا ما لا خلاف فيه، والله أعلم. انتهى (١).

٨ - (ومنها): ما قاله أيضًا: في هذا الحديث دليل على أن الأخذ برخصة الله أَولى لذوي العلم والحجا، من الأخذ بالشدّة، فإن الله يحب أن تؤتى رُخَصه، كما يحب أن يُنتهَى عن محارمه، وتُجتنَب عزائمه. انتهى (٢).

وقال في "التمهيد": في هذا الحديث دليلٌ على أن المرء ينبغي له ترك ما عَسُر عليه من أمور الدنيا والآخرة، وترك الإلحاح فيه إذا لم يَضطَرّ إليه، والميل إلى اليسر أبدًا، فإن اليسر في الأمور كلها أحب إلى الله تعالى، وإلى


(١) "التمهيد" لابن عبد البرّ ٨/ ١٤٧ - ١٤٨.
(٢) "الاستذكار" ٨/ ٢٧٤ - ٢٧٥.