فأخذني، فغطني الثالثة، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١)} [العلق: ١] حتى بلغ {مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق: ٥]"، قال: فرجع بها، تَرْجُف بوادره، حتى دخل على خديجة، فقال: "زمّلوني، زملوني"، فزملوه، حتى ذهب عنه الرَّوْعُ، فقال: "يا خديجة، ما لي؟ " فأخبرها الخبر، قال: "وقد خشيت عليّ"، فقالت له: كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ، ثم انطلقت به خديجة، حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قُصَي، وهو ابن عم خديجة، أخي أبيها، وكان امرأً تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربيّ، فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يَكْتُب، وكان شيخًا كبيرًا، قد عَمِي، فقالت خديجة: أي ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة: ابن أخي ما ترى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى عليه السلام، يا ليتني فيها جذعًا، أكون حيًّا حين يخرجك قومك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أوَ مُخْرِجيَّ هم؟ " فقال ورقة: نعم، لم يأتِ رجل قطّ بما جئت به إلا عُودي، وإن يدركني يومُك أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثم لم يَنشَب ورقة، أن تُوفي، وفتر الوحي فترةً، حتى حزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا حزنًا غَدَا منه مرارًا كي يَتَرَدَّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذِرْوَة جبل لكي يُلقي نفسه منه، تَبَدَّى له جبريل عليه السلام، فقال له: يا محمد، إنك رسول الله حقًّا، فيسكن ذلك جَأْشَهُ، وتَقَرّ نفسه عليه الصلاة والسلام، فيرجع: فإذا طالت عليه، وفتر الوحي غَدَا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبَدَّى له جبريل عليه السلام، فقال له مثل ذلك.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هكذا ساق الإمام أحمد رواية معمر، وفيها هذه الزيادة، "ثم لم يَنْشَب ورقة … إلخ"، وهو أيضًا كذلك في، "مصنّف عبد الرزاق" ٥/ ٣٢١ - ٣٢٣ رقم (٩٧١٩)، وهكذا ساقه البخاريّ في "صحيحه"، فقال:
(٦٩٨٢) حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عُقيل، عن ابن شهاب، (ح) وَحدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، قال الزهري: فأخبرني عروة، عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "أول ما بدئ به