للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلا مع كثرة الشعر، وطوله، والناصيةُ شعر مقدم الرأس كله، وسَدْله تَرْكه منسدلًا سائلًا على هيئته، والتفريق أن يُقسَم شعر ناصيته يمينًا وشمالًا، فتظهر جبهته، وجبينه من الجانبين، والفرق سُنَّة مسنونة، وقد قيل: إنها من ملة إبراهيم وسُنَّته -صلى الله عليه وسلم-، ذكر الكلبيّ عن أبي صالح، عن ابن عباس في قول الله -عز وجل-: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} الآية [البقرة: ١٢٤] قال: الكلمات عشر خصال: خمس منها في الرأس، وخمس في الجسد، فأما التي في الرأس: ففرق الشعر، وقصّ الشارب، والسواك، والمضمضة، والاستنشاق، وأما التي في البدن: فالختان، وحلق العانة، والاستنجاء، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، وقوله: {فَأَتَمَّهُنَّ}؛ أي: عمل بهنّ، قال أبو عمر: يؤكّد هذا قول الله -عز وجل-: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} الآية [النحل: ١٢٣]، وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨)} [آل عمران: ٦٨]. انتهى (١).

٦ - (ومنها): فيما يظهر -كما قال الحافظ -رحمه الله-- النهيُ عن صوم يوم السبت، وقد جاء ذلك من طرق متعددة، في النسائي، وغيره، وصرّح أبو داود بأنه منسوخ، وناسخه حديث أم سلمة -رضي الله عنه-، أنه كان يصوم يوم السبت والأحد، يتحرى ذلك، ويقول: "إنهما يوما عيد الكفار، وأنا أحب أن أخالفهم"، وفي لفظ: "ما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى كان أكثر صيامه السبت والأحد"، أخرجه أحمد، والنسائيّ، وأشار بقوله: "يوما عيد" إلى أن يوم السبت عيد عند اليهود، والأحد عيد عند النصارى، وأيام العيد لا تصام، فخالفهم بصيامه، ويُستفاد من هذا أن الذي قاله بعض الشافعية، من كراهة إفراد السبت، وكذا الأحد، ليس جيدًا، بل الأَولى في المحافظة على ذلك يوم الجمعة، كما ورد الحديث الصحيح فيه، وأما السبت والأحد، فالأَولى أن يصاما معًا، وفرادى؛ امتثالًا لعموم الأمر بمخالفة أهل الكتاب.

قال الحافظ: وقد جمعت المسائل التي وردت الأحاديث فيها، بمخالفة أهل الكتاب، فزادت على الثلاثين حكمًا، وقد أودعتها كتابي الذي سمّيته:


(١) "التمهيد" لابن عبد البرّ ٦/ ٧٤ - ٧٥.