للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[فإن قلت]: فإذا كان حال الشيب كذلك، فَلِمَ شُرع سَتْره بالخضاب؟.

[قلنا]: ذلك لمصلحة أخرى دينية، وهو إرغام الأعداء، وإظهار الجلادة لهم.

وقال ابن العربيّ: وإنما نُهِي عن النتف دون الخضب؛ لأن فيه تغييرَ الخلقة من أصلها، بخلاف الخضب، فإنه لا يغيّر الخلقة على الناظر إليه. انتهى (١).

وقوله: (وَلَمْ يَخْتَضِبْ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) قال في "الفتح": مراد أنس -رضي الله عنه- أنه لم يكن في شعره -صلى الله عليه وسلم- ما يحتاج إلى الخضاب، وقد صرح بذلك في رواية محمد بن سيرين الماضية قال: "سألت أنس بن مالك: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خَضَب؟ قال: لم يبلغ الخضاب"، وفي رواية ثابت عن أنس: "لو شئت أن أَعُدّ شَمَطات كُنّ في رأسه لفعلت"، زاد ابن سعد والحاكم: "ما شانه بالشيب"، وفي حديث جابر بن سمرة: "فقد شَمِط مقدم رأسه ولحيته، وكان إذا ادَّهَن لم يتبيَّن، فإذا لم يدّهِن تبيّن".

وأما ما رواه الحاكم، وأصحاب "السُّنن" من حديث أبي رِمْثة قال: "أتيت النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وعليه بردان أخضران، وله شعر قد علاه الشيب، وشيبه أحمر مخضوب بالحناء"، فهو موافق لقول ابن عمر: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخضب بالصفرة"، وقد تقدم في "الحج"، وغيره.

والجمع بينه وبين حديث أنس أن يُحمل نفي أنس على غلبة الشيب، حتى يحتاج إلى خضابه، ولم يتفق أنه رآه وهو مخضب.

ويُحْمَلَ حديث من أثبت الخضب على أنه فَعَله لإرادة بيان الجواز، ولم يواظب عليه.

وأما ما تقدم عن أنس -رضي الله عنه-، وأخرجه الحاكم من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما شانه الله ببيضاء"، فمحمول على أن تلك الشعرات البيض لم يتغير بها شيء من حُسْنه -صلى الله عليه وسلم-.

وقد أنكر أحمد إنكار أنس أنه خضب، وذكر حديث ابن عمر أنه رأى


(١) "عون المعبود" ١١/ ١٧١.